في الوقت الذي كانت توجه فيه الاتهامات للمملكة العربية السعودية بأنها تعرقل تشكيل الحكومة اللبنانية، وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس المكلف سعد الحريري يشدد على مسألة النأي بالنفس، كان “حزب الله”، ومن خلال كتلة الوفاء للمقاومة، يحدد سياسة جديدة للحكومة العتيدة وللقوى السياسية في لبنان من خلال دعوتها لإعادة تموضعها الاستراتيجي وإعادة النظر بعلاقاتها الإقليمية والدولية.
هذا الكلام لـ”حزب الله” يعني بأنه غير راض عن تموضع الحكومة الحالية وعن سياسة النأي بالنفس التي تتم المناداة بها، فهذه الحكومة ليست متموضعة إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة بل هي حاولت وتحاول أن تبتعد عن المشكلات والتوترات، وان الدعوة لتغيير هذا التموضع تعني بصريح العبارة اللحاق بتموضع “حزب الله” في محور الممانعة والتنسيق الحكومي الكامل مع النظام السوري والجمهورية الإسلامية الإيرانية والوقوف إلى جانبهما في نزاعات المنطقة.
هذا التموضع الجديد لا يكتمل بالنسبة إلى “حزب الله” إلا من خلال إعادة النظر في العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي تدعمها، وهذا الأمر بحسب كتلة الوفاء للمقاومة ليس مطلوبا فقط من الحكومة بل من القوى السياسية التي يفترض أن تكون ممثلة فيها والسؤال المطروح هنا هل يطلب “حزب الله” أن تناصب الحكومة المملكة وحلفاءها العداء؟
ما ينسحب على السعودية ينسحب أيضا على الولايات المتحدة، فإعادة النظر بعلاقات لبنان الدولية وفق مطلب “حزب الله” تعني ابتعاده عن الولايات المتحدة وسياستها ومواجهتها حيث يجب ولا سيما في الدول التي يقال إنها تتدخل فيها ولا سيما في اليمن، فهل لبنان الرسمي على استعداد للإستجابة لمطلب “حزب الله” والتفريط بالمساعدات الأميركية للجيش؟
إن كلام “حزب الله” هو دعوة صريحة كي يتخلى لبنان عن مبدأ النأي بالنفس ولو حتى بالكلام، وليست هذه الحالة هي من الحالات الجديدة في لبنان، فالحزب أسقط إعلان بعبدا بذريعة التصدي للإرهاب وهو يحاول اليوم إسقاط مبدأ النأي بالنفس بذريعة التغييرات الحاصلة في المنطقة والتي تصب في مصلحة محور الممانعة.
كلام “حزب الله” هذا إذا بقي في إطار ه الكلامي فلن تكون انعكاساته على الساحة الداخلية سوى المزيد من السجالات الإعلامية، ولكن الخشية أن يتحول هذا الكلام إلى شرط من شروط تشكيل الحكومة وبيانها الوزاري، وعندها سيكون من المستحيل تشكيل حكومة وفاق وطني لتذهب الأمور إلى حكومة أكثرية فيقع لبنان في محظور الصدام.