كتب عديد ناصر في صحيفة “العرب” اللندنية:
هل يمكن إطلاق صفة “دولة” على البنية التنظيمية لحزب الله في لبنان؟ وما طبيعة هذه الدولة إذا جاز التعبير؟
لدى حزب الله ميليشيا حربية تضاهي الجيوش النظامية، ومخازن أسلحة لا تمتلكها كثير من الدول والجيوش، وهو يسيطر على مواقع في لبنان محرمة على أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، وصمت الحكومات حيال ذلك دليل القبول، ولو على مضض.
يتمتع حزب الله بسيطرة شبه شاملة على قاعدة اجتماعية عريضة، يبث فيها أيديولوجيا دينية/سياسية بحيث يُعتبر كل من يشكك فيها من أبناء هذه القاعدة الاجتماعية بمثابة “كافر” بالمفهوم الديني أو “خائن” بالمفهوم السياسي. هذه السيطرة تجعل من هذه القاعدة الاجتماعية بمثابة “شعب” دولة حزب الله يطلق عليها الحزب تسمية “شعب المقاومة”. وإذا كان “الإقليم” هو أيضا ركنا أساسيا من أركان وجود الدولة بالمفهوم الحديث، إلا أن هذا الشرط يبقى ملتبسا حين يكون الإقليم غير محدد، فالكيان الصهيوني حين تأسس في فلسطين لم يقرّ بحدود جغرافية لكيانه، وتنظيم داعش جعل لنفسه دولة مستقلة عن الإقليم الجغرافي، وحزب الله جعل من لبنان منصة لدولة تتسع وتتمدّد بحجم تواجده العسكري والأيديولوجي.
ولحزب الله مؤسساته الاقتصادية والمالية والخدمية العاملة في كافة المجالات: التربية والتعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية والإعلام والاتصالات والإسكان، كما يتمتع بقنوات اتصال خارجية مثل أي وزارة خارجية في نشاطها وفعاليتها.
ولحزب الله أجهزته القضائية والأمنية ولديه مراكز تحقيق واعتقال وسجون…
والأهم من كل ذلك، فإن حزب الله حائز على اعتراف غير معلن من الدولة اللبنانية بدولته!
يتجسد اعتراف الدولة اللبنانية بدولة حزب الله خصوصا في الحصانة المطلقة لأي عنصر من عناصر حزب الله حيال القوانين اللبنانية وفي وجه الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية، فلا يمكن ملاحقة أي عنصر من عناصر حزب الله لأي جرم يرتكبه سواء على الأراضي اللبنانية أو خارجها .مهما كانت طبيعة هذا الجرم، ويباح لأي عنصر من عناصر الحزب أن يتحرك ضمن الأراضي اللبنانية وعبر المعابر الشرعية وغير الشرعية .ولحزب الله مؤسساته الاقتصادية المستقلة في لبنان وفي الخارج يديرها أشخاص غير حزبيين، تغذي خزينته بمبالغ مالية كبرى، إضافة إلى موازنته الدائمة التي يرصدها له سنويا نظام ملالي طهران. تضاف إلى ذلك شبكات التجارة غير المشروعة (مخدرات، مواد مزوّرة، أسلحة…).
كما أن لحزب الله حرية إدخال البضائع والأفراد عبر الموانئ اللبنانية ومطار بيروت والمعابر الحدودية بعيدا عن أي رقابة أمنية أو رسوم جمركية أو تأشيرات.
ويتم التعاطي بين حزب الله والدولة اللبنانية باتجاه واحد في القضايا الجنائية. إذ يمكن لحزب الله فقط أن يسلم الأجهزة اللبنانية أحد عناصره للمحاكمة إن أراد الحزب ذلك لأسباب تتعلق بمصالح الحزب فقط. وهذه السيادة التي يتمتع بها حزب الله لا تتمتع بها الكثير من الدول القائمة حاليا.
وحزب الله ليس متمردا على السلطة، ولكنه يشكّل ركنا أساسيا فيها، مع ذلك. فهو قادر على تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وقادر على فرض مرشحه للرئاسة. وهو قادر على تعطيل عمل الحكومة وإغلاق مجلس النواب ساعة يشاء. كما أنه يمسك بيده مفاتيح الحرب والسلم.
ألا تكفي هذه الامتيازات ليكون حزب الله دولة فوق الدولة وليس ضمنها، ولو أنها على أراض لبنانية وتحاول التمدد فيها وحولها؟