كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
لا يحسبن أحد، بأن ما يُحكى عن ان الزيارة المرتقبة للرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية في خلال الأيام القليلة المقبلة، ستنهي رحلة تأليف الحكومة العالقة منذ ما يزيد على أربعة أشهر بين بعبدا وبيت الوسط، لأن المسألة تتعدّى قضية الاحجام والتوازنات والحصص التي تدخل على خط التأليف في كل مرّة يواجه لبنان تشكيل حكومة جديدة. ان الأمر أبعد من ذلك وأخطر بكثير لأنه يتعلق باتفاق الطائف نفسه ووجود تعميم لدى فريق من السياسيين، شعر بأنه انتصر في الانتخابات النيابية الأخيرة بأكثرية اقتربت من سقف ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، وان من حقه تغيير هذا الاتفاق الذي الحق إجحافاً بصلاحيات رئيس الجمهورية وبطوائف أخرى قبلت به على مضض مستفيدة من وجود الوصاية السورية الحريصة على حماية مواقعها ومكاسبها في كل مؤسسات الدولة ودوائرها الرئيسية.
ولم يعد يُخفي هذا الفريق مطالبته بتعديل اتفاق الطائف ليس في التصاريح المعلنة فقط بل في الممارسة على أرض الواقع من خلال طروحاته التي تطاول صلاحيات رئيس الحكومة، فيذهب أحياناً إلى المطالبة بسحب التكليف منه لأنه تأخر في التأليف، واحياناً أخرى إلى التلاعب بالدستور والافتاء بأن هناك مهلة لتشكيل الحكومة، من دون ان يصدر أي موقف من هذا الطرح لرئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور، ولا من الفريق المتحالف معه، بل بالعكس حيث نسمع ان رئيس الجمهورية يعبّر امام زواره عن ضيق صدره من التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة، وهو يفكر بحل دستوري ينهي هذا التأخير بمعنى انه يلمح إلى إمكان سحب التكليف من الرئيس الحريري، والدعوة إلى إجراء استشارات نيابية جديدة، ولا ننسى في هذا السياق مقولة تشريع الضرورة.
فلو لم تكن هناك نية مبطنة للانقلاب على اتفاق الطائف لكان رئيس الجمهورية تصرف مع الرئيس المكلف، الذي كان له الفضل الأساسي في التسوية الرئاسية، بطريقة أخرى من شأنها ان تسهل مهمته في إنجاز تأليف الحكومة في أقل من أسبوع وليس بعد أربعة أشهر خصوصاً وأن ما يطالب به هو وحلفاؤه ليس فيه أي افتئات على أي من الفرقاء الآخرين ولا سيما للتيار الوطني الحر. فما يطالبون به هو قيام حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل المكونات السياسية في البلاد، وتكون متوازنة لا يتسلط فيها فريق على الفريق الآخر، فأين الخطأ؟ بل أين الجريمة التي يرتكبها الرئيس المكلف وفريقه في هذا الظرف؟ أوليس من مصلحة رئيس الجمهورية لكي يقلع عهده ان تلتف حوله كل القوى السياسية ضمن حكومة وحدة وطنية؟ ثم أوليست مقتضيات التسوية التي أتت به رئيساً للجمهورية تحتم قيام مثل هذه الحكومة؟ فبكل صدق نقول ان الأزمة ليست أزمة حصص ومحاصصات في الحكومة وإنما هي محاولة مدروسة للانقلاب على الطائف، والعودة إلى المؤتمر التأسيسي.