Site icon IMLebanon

عاد أيلول و”بيصير يبكيني شتي أيلول” (بقلم آية يونس)

الشهر التاسع، شهر اكتمال الجنين، شهر استقبال خيرات الشتاء، شهر التجدّد…ولكنّه حزين.

حزين بلونه الأصفر، حزين باختباء الشمس وراء الغيوم، حزين ببخات المطر التي تمسح معها غبار الفرح والمرح والضحك واللعب والسهرات الرومنسية، حزين باهتزاز الأراجيح الفارغة تحت عريشة الدالية.

عاد ايلول وعادت معه هموم الشتاء المعيشية، أقساط المدارس، الاستيقاظ باكرا، البرد، الرعد، البرق…

شهر الهموم الذي لا يدوم، وما أسرع أيلول!

نوافذ وابواب بيوت الجيران أغلقت على حكايات “كان يا ما كان”، اثاثات المنازل غطّيت بالشراشف حفاظاً عليها من رطوبة الشتاء. قطّ جائع يموء هنا، وكلب ينبح شوقا الى حراسة الدار.

ودائماً مع العتمة يأتي حنيني، اليك يا جدّتي، الى أناملك البيضاء الناعمة التي تكسر الجوز في أيلول، وتحرّك ربّ البندورة في الدست الكبير، وتشكّ اللوبيا بواسطة ابرة فيها خيط وترصها بقرب بعضها البعض ثم تعلّقها لتجفّ في سقف غرفتها الخشبي القديم.

وعندما انتهت من تحضير المونة وتأهّبت للنزول الى الساحل، تردّدت قليلاً وقرّرت البقاء في ضيعتها، وغادرتنا مع ايلول…

ويأتي حنيني الى الذين غابوا، وغابت معهم ضحكات الطفولة البريئة حيث لا موت ولا حزن ولا انكسار ولا خيبات أمل.

وأطلقت النار على الطيور، طيور أيلول، فصحيت من ذكرياتي كالمجنونة، أبحث عن طير فرّ من الموت، وفي صدري غصّة انفعال، تذكّرني بهذا الشيخ الذي يقف في وسط الطريق يسند ثقله الى عصا سنديان ويمسح شاربيه، ثم يرسل نظرات متسائلة نحو الطيور، تدغدغ حلماً عزيزاً. وتمسح امرأة يديها المبللّتين بالماء على جانبي ثوبها، وتنفض منديل الرأس لتعيد حزمه من جديد حول شعرها، وتشبع الطيور بنظرات الحنين على صوت فيروز تغنّي:

“رجع أيلول وأنت بعيد بغيمي حزيني قمرها وحيد

بيصير يبكيني شتي أيلول ويفيقني عليك يا حبيبي

ليالي شتي أيلول بتشبه عينيك.”