كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
يؤكّد بعض السياسيين «الطائفيين» (نسبة الى «اتفاق الطائف») أنّ هذا الاتفاق الذي ساهموا في بلورته وإقراره في المؤتمر النيابي اللبناني الذي انعقد في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية خريف العام 1989 لم يُنفّذ بعد بروحيّته الفعلية والعملية، على رغم مرور 27 عاماً على إقراره وصيرورته دستوراً للجمهورية اللبنانية، يُقسِم رؤساء الجمهورية يمين الحفاظ عليه، كلّ عند انتخابه في مجلس النواب.
يقول هؤلاء السياسيون انّ جميع الافرقاء الذين يعلنون التزامهم «وثيقة الوفاق الوطني» المعروفة بـ»اتفاق الطائف» وينادون بـ»استكمال» تطبيقه، ويؤكدون التمسك به والحرص الذي يصل الى حدّ المبالغة، ويهاجمون كلّ مَن يحاول التطاول عليه او القول بأنّه «انتهى»، هم أنفسهم مَن يرتكب «الفعل الشنيع» في حقّ هذا الاتفاق، لأنّهم في كل ما فعلوا ولا زالوا يفعلون لم يكونوا أُمناء في تنفيذ الاتفاق، وكلّ ما نفذوا منه جاء مشوّهاً، او مراعياً لمصالحهم الخاصة بدل أن يكون مراعياً للمصالح الوطنية العليا والدنيا وما بينهما، لأنّ هذا «الطائف» عندما وُضع انّما أُريد منه إنهاء حال الحرب التي كانت تعيشها البلاد، وإصلاح النظام السياسي والدولة برمتها، والانطلاق بنظام ودولة تليقان بروح العصر، وذلك على اساس تنازلات متبادلة قدّمها الجميع لهذه الغاية.
ويرى هؤلاء انّ مَن يراجع ما نُفّذ من « اتفاق الطائف» حتى الآن يكتشف انّه جاء مشوهاً، وانّ المنفّذين أرادوا من هذا التشويه الذي أحدثوه تعطيل تنفيذ ما تبقّى من بنود الاتفاق، أو على الأقل، ضمان ان ينفّذ ما تبقى من بنوده مشوهاً على الطريقة نفسها التي يتبعونها ليظلّ «الطائف» ببنوده المدسترة، وحتى غير المدسترة، مجيّراً لخدمة مصالحهم وتأبيد وجودهم في السلطة.
فقبل اعتماد النظام النسبي في الانتخابات النيابية التي جرت في أيّار الماضي والذي يقضي به «الطائف» كان هناك اعتماد للنظام الاكثري منذ انتخابات 1992 خلافاً لهذا «الطائف»، واكتمل عقد الخرق الفاضح لوثيقة الوفاق الوطني بـ»اتفاق الدوحة» عام 2008، الذي استحضر قانون الانتخاب الذي أجريت انتخابات العام 1960 على أساسه، والذي يعتمد القضاء دائرة انتخابية، خلافاً لاتفاق الطائف الذي قضى باعتماد المحافظة دائرة انتخابية واحدة «بعد إعادة النظر في التقسيم الاداري» ويمكن أن يُزاد عدد المحافظات التي يتكون منها لبنان والبالغة الآن 8 بعد استحداث محافظات النبطية وبعلبك ـ الهرمل وعكار.
وعندما اعتُمد «النظام الانتخابي النسبي» في انتخابات ايّار الماضي نُفّذ بطريقة مشوهة، بحيث جاءت النتائج وكأنّها وفق النظام الاكثري. ومن يراجع القانون الذي أُجريت الانتخابات على اساسه يكتشف انّ القوى السياسية، او بعضها، احتال على هذا القانون وجعله «بدلاً من ضائع»، أي بدلاً من القانون الاكثري الإقصائي، فيما كان المُراد من «النظام النسبي» تحقيق شمولية التمثيل لشتى فئات الشعب اللبناني وأجياله في الندوة النيابية. ولكن نتائج الانتخابات أظهرت انّ النقلة النوعية التي كان يُراد تحقيقها للبدء بتطوير النظام السياسي عبر قانون الانتخاب الجديد لم تتحقق، بل عادت البلاد خطوات الى الوراء لانّ القانون الانتخابي النسبي أقصى مجموعة من القوى والمكونات السياسية، وحتى الطائفية، عن التمثيل النيابي، وبالتالي عن المشاركة في صناعة القرار الوطني لحساب اشخاص لا حيثية فعلية لهم وقد فازوا بالنيابة بأرقام زهيدة جداً، وبالمصادفة، لأن طبيعة القانون فرضت ذلك، في حين انّ القاصي والداني يعرف انّ النظام الانتخابي النسبي يفرض اعتماده في دولة تسود فيها أحزاب ولا يفرض شروطاً وقيوداً على المرشحين ولا على الناخبين، من مثل «الصوت التفضيلي» و»الحاصل الانتخابي» اللذيَن اخترعهما البعض لتشويه « الانتخاب النسبي» وتحويله «اكثرياً» بالمواربة.
وأكثر من ذلك يكشف هؤلاء السياسيون «الطائفيون» جانباً من التشويه اللاحق بتنفيذ «اتفاق الطائف، فيستشهدون بما تنصّ عليه المادة 95 من الدستور لجهة موضوع الغاء الطائفية السياسية، فهي تقول في فقرتها الاولى الآتي: «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية(…)».
ويؤكد «الطائفيون» انّ هذه الاجراءات، كان ينبغي اتخاذها قبل 27 عاماً، أي عام 1992 عندما انتخب اول مجلس نيابي بموجب «الطائف» على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، و قد انتخب 6 مجالس نيابية منذ العام 1992 وحتى 2018 ولم يبادر ايٌّ منها الى اتخاذ هذه الاجراءات الكفيلة بإلغاء الطائفية لنقل البلاد من «دولة الطائفية» الى «دولة الانسانية» وجعل الكفاية والاختصاص الأساس في إصلاح الدولة ومؤسساتها وأنظمتها على كلّ المستويات.
كذلك فإنّ عدم الغاء الطائفية عطّل تنفيذ بنود أخرى من دستور «الطائف» ومنها المادة 22 التي تنصّ على الآتي: «مع انتخاب أوّل مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».
كذلك يسخر «الطائفيون» من مقولة «حصّة الرئيس» الوزارية في الحكومات، والتي ابتدعت في حكومات سابقة ويُعمل على ابتداعها الآن لمناسبة تأليف الحكومة الجديدة. كذلك يسخرهؤلاء من حديث البعض عن انّ هذه الحصة تُعوّض رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات التي انتزعت منه بموجب «اتفاق الطائف». فالمادة 49 من الدستور تقول في فقرتها الأولى: «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور، يرأس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء».
ويقول «الطائفيون» انّ رئيس الجمهورية بصفته رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن والقائد الأعلى للقوات المسلحة الخاضعة لسلطة مجلس الوزراء لديه كل الصلاحيات وليس صحيحاً أنّه بات بلا صلاحيات، فموقعه الحَكَم يعطيه صفة المرجعية الكبرى التي تحتاج اليها كلّ السلطات في عملها. ويخلص هؤلاء الى القول: «قصة «اتفاق الطائف» وتنفيذه المشوّه شرحٌ يطول»…