كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: مع مرور 100 يوم على أزمةِ تشكيلِ الحكومةِ الجديدةِ في لبنان بالتزامن مع بدء شهر ايلول الذي كان الرئيس ميشال عون أعلن أنه سيدشّن مع انطلاقته مرحلةً جديدة لكسْر حلقة المراوحة في دائرة المأزق، بدا لبنان أمام فترة انتظارٍ لن يطول انكشافُ «خيْطِها الأبيض من الأسود» وإذا كانت ستُفضي لاستيلاد الحكومة أم نقْل البلاد الى مستوى أكثر خطورة من الاستقطاب السياسي – الدستوري الذي قد لا «ينجو» منه الواقعُ الاقتصادي – المالي الحسّاس.
ولعلّ رئيس البرلمان نبيه بري كان الأدقّ تعبيراً عن حال الأزمة الحكومية بحديثه عن «التشاؤل» في إشارةٍ الى ترقُّب نتائج حركة الاتصالات المكثّفة التي أطلقها الرئيس المكلف سعد الحريري ويستكملها اليوم بلقاء مفصلي مع رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، ليقرر في ضوء هذا اللقاء الخطوة التالية في «بازل» التأليف وما الذي سيحمله الى عون في الأيام القليلة المقبلة.
وتوقفتْ أوساط سياسية عند المساريْن المتوازييْن اللذين باتا يحكمان الملف الحكومي، وهما: ترسيم التوازنات السياسية عبر الحصص في الحكومة العتيدة، وتحديد المرتكزات السياسية لعملها ولا سيما لجهة التموْضع الاقليمي للبنان وهو ما سيعبّر عنه بيانها الوزاري.
وفي المسار الأول يمكن اختصار «محاولة الحلّ» بأنها تنطلق من تسهيلاتٍ وُضعت بتصرف الحريري (الذي توجه أمس إلى مصر) من حزبيْ «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي اللذين قدمّ كل منهما مروحةَ خياراتٍ تُرك للرئيس المكلّف انتزاع موافقةٍ على أحدها من باسيل.
وتشير المعلومات في ما خص حصّة «القوات» الى أن واحدة من الصيغ الأكثر قابلية للحياة التي وضعتْها في عهدة الحريري تتضمّن خطوة الى الوراء بالتخلي عن المطالبة بخمسة وزراء والقبول بأربعة بلا نيابة رئاسة الحكومة ولا حقيبة سيادية ولكن بأربعة حقائب وازنة للوزراء الأربعة، في حين حملتْ تسهيلات «التقدمي» تَمسُّكاً من زعيمه وليد جنبلاط برفْض اي توزير للنائب طلال إرسلان وقبولاً بوزيرين «صافييْن» لحزبه وثالث من الأسماء الدرزية غير البعيدة عنه (جنبلاط).
أما المسار الثاني، فبدا أكثر حماوةً مع مجاهرة «حزب الله» بأن «الوقت حان» لحكومةٍ تعيد النظر بالتموْضع الاستراتيجي للبنان وعلاقاته مع بعض الدول العربية والغربية في إشارة ضمنية للولايات المتحدة والسعودية، في موازاة فتْح معركة التطبيع مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد على مصرعيها.
وتشير الأوساط السياسية الى ان خلْع «حزب الله» قفازاته في مقاربة «دفتر الشروط» المفروض على الحكومة العتيدة وبيانها الوزاري، مردّه إما الى ان الحزب يريد المزيد من «شراء الوقت» قبل استيلاد الحكومة، أو أنه يستشعر بان أوان تأليفها حان وتالياً انتقل الى «الجوهر السياسي» لدورها ووظيفتها كانعكاسٍ للموازين الجديدة التي تصبّ لمصلحته في البرلمان كما الحكومة اذ يملك مع فريق الرئيس عون في كل منهما الأكثرية (النصف زائد واحد).
وحسب هذه الأوساط فإن الحريري إذا تمكّن من انتزاع تشكيلة حكومية تَصْدر مراسيمها، فإنه سيكون أمام محطة دقيقة بعد ولادتها ذلك ان المعركة الأشرس ستكون على أجندتها السياسية، وسط تجاذُب حاد بين جبهتيْن: واحدة تتمسك بالنأي بالنفس وتحييد الملفات الخلافية مثل الأزمة السورية، وثانية تريد الدفْع نحو التطبيع المبكّر مع الأسد وإعادة النظر بالتموْضع الاقليمي للبنان، وهو ما من شأنه إذا تُرك للعبة الأكثرية في الحكومة والبرلمان ان يضع الحريري في موقعٍ لا يُحسد عليه.
ولا تُسْقِط الأوساط نفسها سيناريو لا تنفكّ بعض الصالونات السياسية تستحضره لجهة الخشية من ان تجري الموافقة على تشكيلة بالتوازنات التي يصرّ عليها الحريري، اي التي لا تتضمّن ثلثاً معطلاً لـ «التيار الحر» مع حصة عون، ولا ثلثين لتحالف رئيس الجمهورية – «حزب الله»، على ان يصار لإسقاطها بعدم منْحها الثقة في البرلمان، لتنفتح الأمور على سيناريوات غامضة مثل عدم تكليف الحريري مجدداً او معاودة تكليفه بشروط الآخرين.
وفيما كان لافتاً كلام بري عن أنه بعد التأليف سنكون بحاجة إلى «كلام رسمي مباشر بين حكومتَي لبنان وسورية»، أكد الحريري ضرورة التزام لبنان «النأي النفس»، واصفاً علاقته مع السعودية بأنها «ممتازة، ولدي علاقة ممتازة بولي العهد الأمير محمّد بن سلمان».