كتب ربيع ياسين في “المستقبل”:
«أخي العامل السوري عذراً… أنا أحق منك بالعمل في هذا البلد»، «أخي السوري… الأمم المتحدة بتساعدك… نحنا مين بساعدنا»، «أخي السوري عذراً نحنا معك… بس ما تكون انت علينا… نحنا الي فينا مكفينا». هذه ليست عبارات عنصرية، انما يافطات رفعها لبنانيون في مناطقهم نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشونها جراء مزاحمة اليد العاملة السورية في الأسواق اللبنانية، منذ بدء الأزمة في سوريا عام 2011.
جمال الذي يملك مؤسسة تجارية في بيروت، يقول لـ«المستقبل»: «نحن كلبنانيين نتعاطف مع النازحين السوريين كوننا مررنا بتجربة الحروب وهُجرنا من بلادنا، ولكن لبنان لا يستطيع تحمل عبء هذا النزوح لا اقتصادياً ولا حتى اجتماعياً كون تركيبة المجتمع اللبناني حساسة للغاية».
يضيف: «العمال السوريون يحق لهم، العمل فقط في 3 قطاعات هي البناء، الزراعة والنفايات، ولكنهم يعملون في قطاعات مختلفة وهذا بحد ذاته مخالف للقانون».
رأي ترو لا يختلف عن رأي جمال خصوصاً وانه يملك شركات تجارية عديدة. يقول لـ«المستقبل» بدروخ «لو كل لبناني طبق القوانين عبر شركاته او مؤسساته لكان وضعنا افضل بكثير مما هو عليه اليوم، خصوصاً وان القانون اللبناني سمح للعامل السوري العمل في قطاعات معينة، ولكن للأسف نحن نراه اليوم يعمل في قطاعات عديدة، وهذا بطبيعة الحال ينعكس سلباً علينا كأصحاب شركات وعلى الاقتصاد اللبناني».
ترو الذي يرفض توظيف اي عامل من التبعية السورية لأي سبب كان، يطالب الدولة اللبنانية بـ«التحرك بصورة أكبر للحد من المؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات اللبنانية الشرعية لأسباب عديدة».
تدني تكلفة اليد العاملة السورية سمحت لها بغزو الأسواق اللبنانية على نطاق واسع، ما دفع بعض أصحاب الشركات الى استبدال اليد العاملة اللبنانية بأخرى سورية. ولكن هذا ليس رأي خالد الذي يملك شركة مواد غذائية ومعظم موظفيه من الجنسية السورية. يقول لـ«المستقبل»: «تكلفة الموظف السوري لدينا أعلى بكثير من تكلفة الموظف اللبناني، وكل الموظفين في شركتنا وضعهم قانوني، والجدير ذكره ان بعض موظفينا تم توظيفهم قبل الازمة السورية».
كبارة: أولوياتنا اليد اللبنانية
وزارة العمل تقوم عبر جهازها التفتيشي بملاحقة المتاجر غير الشرعية واقفالها في المناطق اللبنانية كافة، من أجل المحافظة على اليد العاملة اللبنانية ومن أجل حماية الاقتصاد الوطني من المنافسة غير الشرعية. «نظمنا آلاف المحاضر بحق مؤسسات غير شرعية وقد تحول جزء منها الى المحاكم المختصة»، كما قال وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال محمد كبارة لـ«المستقبل». ولفت الى ان «كل وزارة تقوم بواجبها المكمل للاخرى من أجل حماية الاقتصاد، ولكن المشلكة التي تواجهنا كوزارة هي المشاركة التي تتم بين اللبنانيين والسوريين، بحيث يتم وضع المؤسسة او المتجر باسم شخص لبناني، ولكن ربما يديرها سوريون».
ويختم كبارة قائلاً: «هناك عمل جبار يقوم به الرئيس سعد الحريري مع الروس من أجل تأمين عودة النازحين السوريين الى ديارهم. ونحن في كتلة المستقبل النيابية يهمنا بالدرجة الأولى مصلحة لبنان، والحفاظ على اقتصادنا وعلى اليد العاملة اللبنانية، خصوصاً وان الوضع الاقتصادي ليس بأفضل حالاته، وبالتالي نحن بحاجة الى تشكيل حكومة بأسرع وقت من أجل الاستقادة من الدعم الدولي الذي حظي به لبنان في مؤتمر»سيدر«من اجل تحريك عجلة الاقتصاد وارتفاع معدل النمو وخلق فرص عمل جديدة».
خوري: لبنان لم يعد يتحمل
تكلفة الخسائر الاقتصادية على لبنان منذ بدأ الأزمة السورية تجاوزت، بحسب وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري، الـ 15 مليار دولار. هو يقول لـ«المستقبل»: «لم يعد لبنان قادراً على تحمل عبء مليوني نازح سوري، وكذلك الاقتصاد اللبناني، خصوصاً وانّ تجاوزات عديدة تحصل من قبل العمال السوريين تضر بالاقتصاد اللبناني، إن لجهة مخالفة القانون الذي سمح لهم بالعمل بقطاعات معينة، ام لجهة المؤسسات غير الشرعية وغير المرخصة».
خوري يؤكد ان لبنان كله متضرر من هذه الأزمة، «لاسيما وأن العديد من المؤسسات اللبنانية الشرعية تُقفل ابوابها كونها لم تعد تستطيع الاستمرار في ظل المنافسة غير الشرعية في المتاجر المملوكة من قبل سوريين خصوصا أنها لا تدفع الضرائب ولا رسوم الضمان الاجتماعي وهي تبيع السلع والخدمات بأسعار رخيصة جدا تنافس تلك التي يعتمدها اللبنانيون أصحاب المؤسسات المرخصة والتي تدفع الضرائب المتوجبة عليها. كل ذلك يؤدي الى زيادة البطالة والى اقفال عدد من المؤسسات وانقراض عدد من القطاعات الصناعية».
لكنه يستطرد قائلاً «انا لا أشمل المؤسسات الشرعية المرخصة المملوكة من أجانب. نحن نشجع الاستثمار الأجنبي في لبنان سواء من الجنسية السورية او من جنسيات أخرى ولكن بطريقة شرعية وقانونية. لذلك على الوزارت المعنية التعاون في ما بينها من أجل حماية اقتصادنا».
«اجراءات عديدة اتخذتها وزارة الاقتصاد في الفترة الماضية من أجل ضبط المؤسسات غير الشرعية وجرى احالتهم الى وزارة الداخلية». وهو طلب من المراقبين في وزارة الاقتصاد التأكد المتاجر والرخص القانونية رغم ان هذه الخطوة ليست من صلاحيتنا كوزراة اقتصاد، ولكن باعتقادي كل الوزارات مسؤولة عن حماية لبنان واقتصاده في هذه الظروف الحرجة«.
يثمن خوري الدور التي تقوم به بعض البلديات التي، برأيه دورها اساسي جداً قي متابعة المؤسسات غير الشرعية، كـ»بلدية الحدث مثلاً التي تمنع العمالة للنازحين والأجانب في غير القطاعات التي يُجيز القانون العمل فيها، وقد أقفلت المؤسسات غير الشرعية فيها تقريبا بالكامل«.
أما الحل، برأيه» فيبدأ «عندما تأخذ الدولة اللبنانية قراراً حازماً بتوقيف كل شخص لا يستوفي الشروط القانونية، واقفال كل المؤسسات الغير شرعية وان تضرب بيد من حديد. كذلك نعول على الدور الذي يقوم به الرئيس سعد الحريري مع الجانب الروسي من أجل تأمين عودة النازحين، لما يمكله الروس من نفوذ قوي في المنطقة، وبالتالي فهم يستطيعون أن يشكلوا عنصر ضغط من اجل تحريك هذا الملف، وقد لمسنا اليوم جدية من قبل الروس في هذا الملف ونحن ننتظر ترجمته على ارض الواقع».
اسكندر: إن لم تُحل الأزمة لن نشهد نمواً
يسأل الخبير الاقتصادي مروان اسكندر عن «لبنان القوي الذي يتحدثون عنه؟» ويقول لـ«المستقبل» «لبنان العادي اليوم يفتش عن لبنان وعن العهد القوي في ظل أزمات لا تُعد ولا تحصى على رأسها أزمة النزوح السوري وغياب فرص العمل».
يضيف اسكندر «يُقدر البنك الدولي تأثير أزمة النزوح السوري على لبنان ما يوازي 3.6 في المئة من الناتج المحلي، لتصل خسائره الى نحو مليارين و300 مليون دولار اميركي. علماً أن هذه الخسائر لا تشمل تكاليف المياه والمعالجات الطبية والصحية والغذائية والتعليمية التي يتحملها لبنان».
ولكن، بتقدير اسكندر «فان الخسائر الاقتصادية تجاوزت ارقام البنك الدولي لتصل الى نحو 3.5 مليارات دولار كل عام، اي ما يعادل 20 مليار دولار الى 22 مليارا منذ بدء الأزمة السورية الى اليوم».
ولا يغفل اسكندر عن «اقفال الحدود جراء الحرب في سوريا، وبالتالي خسر لبنان ايضاً فرص التصدير البرَي الى الخارج، مما ادى الى مزيد من التراجع الاقتصادي».
أما بالنسبة للنمو الاقتصادي المرتقب، فيرى انه «اذا لم تُحل الأزمة في سوريا، فلن يكون هناك نمو اقتصادي في الـ 2018، في ظل ازدياد في عدد السكان مما سيؤدي الى انخفاض معدل دخل الفرد. اما اذا نجحت المساعي وعاد النازحون الى سوريا، فالاقتصاد بحاجة الى فترة زمنية من أجل تقليص العجز الناتج في جزء منه عن تواجدهم في لبنان، خصوصاً وان فُتح المجال للتصدير مجدداً، لكن للأسف هناك من يعتبر ان الحرب في سوريا لم تنته بعد».
يرد اسكندر أسباب الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان اليوم الى «الخلافات السياسية، وكأن كل سياسي اليوم اقتطع من الاقتصاد ومن الخدمات العامة قسماً لطائفته وهذا امرٌ معيب، لأن النائب اليوم في ظل النظام الديموقراطي الذي نتغنى به لا يمثل كل لبنان انما يمثل طائفته ومنطقته فقط».