كتب عيسى يحيى في صحيفة “الجمهورية”:
ولأنّ المياه شريان الحياة الرئيسي للمواطنين، لا شيءَ يوحي ببوادر حلول لأزمة المياه في بعلبك والمتفرّعة إلى جزئين، مياه نبع البياضة الغائبة منذ أربع سنوات، ومياه الشفة الموحلة التي تصل إلى المنازل من شركة المياه ما نشط حركة الصهاريج في شوارع وأزقة المدينة، وكأنّ بالبعض يريد أن ينقطع هذا الشريان ويفقد المواطنون أبسط حقوقهم.
أكثر من أربع سنوات ولا تزال قضية اختفاء مياه بركة البياضة في رأس العين في بعلبك موضعَ سجالٍ وتقاذفٍ للتهم بين المعنيين والمسؤولين عن ذلك الجفاف الذي أصابها، ومعها فقدت البساتين حول قلعة بعلبك خضرتها، فيما يعاني المزارعون من عائلات بعلبكية مختلفة، حاول البعض في مرحلة سابقة تظهيرَ مشكلتهم من منطلقٍ مذهبيّ، تدهور حالهم ويباس مزروعاتهم واشجارهم التي يعتاشون منها.
عشرات المظاهرات التي قام بها أهالي المدينة ومزارعوها لاسترجاع المياه وعودتها إلى مجاريها، فالبركة هي متنفّس رأس العين ومن أبرز معالمها الجمالية وتحيط بها المنتزهات والمطاعم، كذلك هي شريان حياة للمزارعين في بساتين المدينة وحول القلعة، والتي قسَم الإنتداب الفرنسي وفق سندات تمليك لا تزال مع أصحاب البساتين حصصَ تقسيم مياه رأس العين بين العائلات وبحسب مساحة الأرض التي يملكها كل شخص.
منذ الـ 2014 ولا تزال القضية على حالها. المزارعون يتّهمون شركة مياه بعلبك بحفر آبار شفة ساهمت في جفاف مياه البياضة، استناداً إلى العديد من الخبراء والدراسات، فيما السلطات المحلية والنواب لم يُفلحوا حتى الآن في إيجاد الحلول، فيما تشير المعلومات إلى أنّ مجهوداً يُعمل عليه لبلورة حلٍّ خلال الأسابيع المقبلة يقضي بحفر آبار تغذّي مياه الشفة في بعلبك مقابل إقفال تلك المسبِّبة بجفاف نبع البياضة، وذلك بالتنسيق بين البلدية ومديرية العمل البلدي وشركة المياه في المدينة.
زكريا الزكرة إبن بلدة بعلبك وصاحب أراضٍ في بساتين المدينة ونقيب المزارعين في البقاع تقدّم باسمه وباسم المزارعين بدعوى ضد شركة مياه البقاع لأنها المسبِّبة بجفاف النبع وتوقف المياه عن البركة ومنها إلى البساتين وفق قوله، ويقول لـ «الجمهورية» إنّ مهندسين جيولوجيين حدّدوا ثلاثة خزانات مياه في بعلبك، تنتفع مدينة بعلبك من أحدها، وعليه موَّل البنك الدولي حفرَ ستة آبار في منطقتي العسيرة وعمشكة بقيت ثلاث سنوات حتى تمّ تجهيزُها وتشغيلُها، وعند بدء تشغيلها الذي تزامن مع موسم جفاف في الـ 2014 جفّت مياه بركة البياضة فظنّ المزارعون أنّ السبب طبيعي، ولكن مع توقف أحد الآبار لأيام نتيجة عطل فنّي عادت مياه البركة إلى مجاريها، عندها أيقن الأهالي والمزارعون أنّ بعض الآبار ساهم في الجفاف، وعليه وبعد مراجعات مع البلدية ومظاهرات لم تُفضِ إلى نتيجة تقرّر رفعُ دعوى قضائية لا تزال عالقة بإنتظار بتّ الحكم فيها في الثامن من تشرين الثاني، ويضيف أنّ التأخير كان نتيجة ضغوط سياسية.
وأضاف أنّ الأشجار والمزروعات يبست بشكل كامل نتيجة عدم توفّر المياه، حيث عمل البعض على اقتلاعها، مناشداً الدولة بالتعويض على المزارعيناإسوة بمَن يتمّ التعويض عليهم.
بدوره عمر صلح رئيس الجمعية اللبنانية للزراعات الحضرية والتي أخذت على عاتقها في الآونة الأخيرة أزمة المياه في بعلبك، وعقدت لأجلها ندوة حاضر فيها خبراء جيولوجيون، أشار لـ «الجمهورية» أنّ هناك حلّاً يسعى إليه عبر تجهيز آبار ثانية لمياه الشفة في بعلبك، ويضيف أنّ موضوع المياه في بعلبك وأزمتها ناجمة من أمرين: الأول طبيعي نتيجة قلّة الأمطار والثاني سوء الإدارة المتّبع.
وأشار إلى أنّ هناك أكثر من 25 بئراً تمّ حفرُها وتجهيزُها من النبي شيت إلى يونين لتغذية مياه الشفة في كل تلك القرى، غير أنّ شركةً إنكليزيةً عبر مجلس الإنماء والإعمار أجرت دراسة تبيّن خلالها أنّ هناك آباراً أثّرت على مياه البياضة ومنها بئر مصلحة المياه، وعندما تمّ إيقافه عادت المياه إلى البركة. وفي ندوة أجرتها الجمعية قال صلح إنّ الخبير الجيولوجي سمير زعيطيطي أكد أنّ «المياه الجوفية في بعلبك كافية لسدّ حاجة المدينة من مياه الشفة، وبالتالي لا خطر». خاتماً أنّ مصلحة المياه لم تتجاوب حتى الآن ولم تحضر أيّاً من الندوات التي تقام بغية إيجاد الحلول، وأنّ الأمور متّجهة نحو التصعيد في حال لم يتمّ إيجاد الحلول المناسبة. وبين البحث عن حلّ لأزمة مياه الشفة التي تصل في كثير من الأوقات إلى منازل البعلبكيين موحلة نتيجة عوامل طبيعية في آبار مصلحة المياه، وبين جفاف مياه البياضة التي حرمت المزارعين مزروعاتهم وأشجارهم، ينتظر الأهالي الحلول الناجعة والسريعة لتخفيف عبء شراء المياه وبعلبك تركد على خزانات تكفيها لسنين طويلة.