لم يكن ينقص لبنان طين العبء الكبير المتمثل بوجود ثلث سكانه من اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، حتى أضيفت إليه بلّة القرار الأميركي بوقف تمويل “الأونروا”. ولم يكد الاقتصاد يلتقط أنفاسه بعد تحريك عودة النازحين السوريين حتى أتت أزمة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف تمويل “الأونروا” ليُهدد عمليا ظروف عيش اللاجئين الفلسطينيين الذين يبلغ عدد المسجلين منهم 450 ألفا، موزعين على اثني عشر مخيما.
ورغم الفواتير غير المدفوعة من قبل “وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين” المستحقة عليها لصالح الدولة اللبنانية، فإن لبنان كان ما يزال يعوّل على خدماتها في مجال التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وتحسين المخيمات والمساعدة الطارئة للحفاظ على الحد الأدنى من الأمن في هذه المخيمات التي تعد بؤراً للفقر وملاذاً للإرهابيين. ورغم أن “الأونروا” ليست مسؤولة عن الأمن أو القانون والنظام في المخيمات ولا تقوم بإدارتها، إلا أنها مسؤولة عن إدارة برامج التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية الموجودة داخل المخيمات، وإذا توقفت تلك الخدمات، فهذا يعني، بحسب ما أفادت أوساط الخارجية لـ “المركزية”، مزيداً من المخاطر على الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة لجهة تفشي ظاهرة الإرهاب التي تنمو في المجتمعات الحاضنة بفعل زيادة المخاطر الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، ما يُشكّل تهديداً أمنيا ماثلا أمام لبنان”، مؤكدةً “أن موازنة “الأونروا” في لبنان التي لا تتعدى 80 مليون دولار ستتأتر في شكل كبير بعد وقف الولايات المتحدة الأميركية التي كانت المانح الأكبر، مساهمتها التي تزيد عن 130 مليون دولار، والتعويل اليوم على حماسة دول الاتحاد الأوروبي (التي تساهم بأكثر من 106 ملايين دولار) في زيادة تبرعاتها، في ظل العجز الحالي التي بدأت تشهده موازنة الوكالة منذ ست سنوات، ما دفعها إلى تقليص معدل الخدمات التي يستفيد منها اللاجئ الفلسطيني، بحيث أصبحت تتكلف على كل لاجئ 110 دولارات أميركية سنويا”.
ولفتت الأوساط إلى أن “الوكالة تجمع تبرعات طوعية من الدول الأعضاء، وبالتالي فإن هذه الدول غير مُلزمة بالمساعدة، وهذا يعني عمليا أن لا يمكن إلزام الإدارة الأميركية بالعودة عن قرارها الذي يعتبر انتكاسة للوكالة، إذ أن التمويل من قبل الدول، قبل هذا القرار، لم يكن يعادل سقف النفقات بسبب الحاجات المتزايدة للاجئين”.
وبعدما قلّصت الوكالة من معدل الخدمات التي يستفيد منها اللاجئ الفلسطيني، بحيث أصبحت تتكلف على كل لاجئ 110 دولارات أميركية سنويا في الوقت الحالي، يبدو أن الخدمات إلى انخفاض، ولن يكون بمقدور الوكالة الاستمرار بتعليم32.350 تلميذاً في ما يناهز 70 مدرسة، أو تأمين الخدمات الصحية في مراكزها الـ 27، إضافة إلى تأهيل المرأة الفلسطينية في تسعة مراكز، والتمكين المهني في مركزين للتدريب المهني فضلا عن مركز إعادة تأهيل اجتماعي.
وعلمت “المركزية” أن لبنان يستطلع إمكانية توجيه الدعوات لعقاد اجتماع وزاري في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة لحثّ المجتمع الدولي لإيجاد تمويل بديل لـ”لأونروا” للحفاظ على خدماتها التي ما تزال توفّرها للاجئين في لبنان والأردن وسوريا فضلا عن فلسطينيي الضفة والقطاع منذ عام 1949.
وفيما استغرب سفراء الدول الخليجية، الحملة عليهم لجهة إحجامهم عن الإعلان عن استعداد دولهم زيادة المساعدة، أكد مصدر دبلوماسي خليجي لـ”المركزية” أن “المساهمة التي توفرها بلادها للأونروا تدفع بالكامل وهي تكاد تضاهي مساهمات نصف دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة”.