كتب البروفسور آلان حكيم في صحيفة “الجمهورية”:
لا نعرف سبب الحماسة الكبيرة لبعض الأشخاص في شأن مقال مجلة الإيكونوميست. وعلى الرغم من أن لا شيء جديدا في هذا المقال، إلا أن بعض الصحف عمدت إلى تفسيره بما يتناسب وتوجّهاتها. هذا المقال إحتوى على وجهة نظر واحدة تُجسّدها مصالح شخصية لبعض الأطراف هدفها الوحيد ضرب الليرة اللبنانية.
الهجوم على القطاع المصرفي ليس بجديد، ولسنا هنا للدفاع عن هذا القطاع، لكن إظهار القطاع المصرفي على أنه على وشك الإنهيار وأن الليرة على وشك التراجع هو قمّة الجهل، والسبب يعود إلى عدم معرفة المعنيين بقدرة القطاع المصرفي المالية، التنظيمية، الإمتثالية… وغيرها.
هذا الواقع جسّده تقرير وكالة ستاندارد أند بورز التي أقرّت في تقريرها أن الدوّلة اللبنانية تعتمدّ بشكل أساسي على تمويل القطاع المصرفي لتغطية عجزّ الموازنة المُزمن خصوصا خدمة الدين العام والذي يضع الدولة اللبنانية في المرتبة الثالثة في مصاف الدول الأكثر مديونية في العالم نسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي. ويُضيف التقرير أن الأصول المالية الخارجية (الإحتياطي من العملات الأجنبية وأصول القطاع المصرفي الموجودة في الخارج) تفوق الدين الخارجي للبنان.
وإذ توقّعت الوكالة إزدياد سوء الوضع الإقتصادي، إلا أن إستمرار تدفّق تحاويل المُغتربين اللبنانيين من الخارج سيدعم العجز المُزدوج للبنان ومعه سيكون النمو الإقتصادي بحدود 2.5% في العام 2021. وتُرجِعْ الوكالة التردّي في الوضع الإقتصادي إلى الإنقسام السياسي وإلى تأثر لبنان بالأحداث الإقليمية والتي ستمنع الإستثمار في المدى القريب.
في المقابل، إعتمد مقال الإيكونوميست على تقرير كتبه أحد موظفي مصرف لبنان سابقًا والذي يحوي على العديد من المُغالطات مع أهداف مشبوهة. فيقول المقال أن القطاع المصرفي، أقلّه على الورق (!)، هو قطاع صامد ويستند في ذلك إلى تقرير الموظّف السابق بقوّله أن الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان في العام 2016 أعطت المصارف فائدة 40% سنويًا، ليأتي بعدها تعليق من أحد الأشخاص يتهّم هذا القطاع بالفساد. ويقول المقال أن مصرف لبنان لا ينشر تقريرا عن إحتياطاته الصافية (إستنادًا إلى الموظّف السابق) زاعما أن هذه الإخيرة هي سلبية ومُتنبّئا بإنهيار الليرة اللبنانية. ويُضيف المقال نقلًا عن هذا الموظّف السابق أن هذا الأمر دفع المصارف إلى رفع الفائدة إلى 15 و20% سنويًا!
بالطبع هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق وقد أصدر مصرف لبنان ردًا رسميًا على تقرير هذا الموظّف. فهذا التقرير إستند إلى أرقام خاطئة مبنيّة على تقديرات لا علاقة لها بالواقع. كما أن رفع الفوائد في الفترة الأخيرة مردّه إلى سحب السيولة في السوق والناتجة عن سلسلة الرتب والرواتب والذي تسبّب بتضخّم عالٍ زاد مع إرتفاع أسعار النفط.
توقّع مقال الإيكونوميست إنهيار القطاع العقاري، وهو توقّع في غير محلّه والسبب يعود إلى أنه لا يوجد أي لبناني لا يعتقد أن الأسعار سترتفع في المُستقبل. أضف إلى ذلك أن عدد القروض السكنية المدعومة تُشكل 9% من إجمالي العمليات العقارية مما يعني أن الإنهيار الذي يتحدّث عنه المقال لن يكون على الموعد. نعم هناك تراجع ومرونة في الأسعار إلا أنه لن يكون هناك أي إنهيار.
أمّا في ما يخص القطاع السياحي، فالكل يعلم أنه يتعلّق بشكل مباشر بسياسة لبنان الإقليمية وأن بعض الدول تُعاقب لبنان على خياراته السياسية بمنع مواطنيها ومستثمريها من الدخول إلى لبنان.
على صعيد أخر، طالب أحد الصحافيين في مقال له علّق من خلاله على مقال الإيكونوميست، بالقول أن الهندسة المالية هي إنحياز لقطاع المصارف دون القطاعات الأخرى ويتساءل لماذا لا يضع مصرف لبنان يده على هذه المصارف كما فعل مع بنك إنترا؟ الواقع هو أن القانون لا يسمح لمصرف لبنان بتملّك مصارف خاصة إلا في حال الإفلاس، وفي هذه الحالة تقوم الهيئة المصرفية العليا بالطلب إلى مصرف لبنان بدعمه كما حصل مع مصارف أخرى. أضف إلى ذلك أن بنك إنترا تمّت رأسملته من قبل الدولة وليس من قبل مصرف لبنان، وسنوات بعد هذه العملية قامت الدولة ببيع قسم من حصّتها (إحتفظت بـ 10% من رأسمال المصرف) إلى مصرف لبنان بسبب حاجتها إلى الأموال، وذلك عملًا بالقانون الذي يسمح لمصرف لبنان بتملّك أسهم في شركة تمتلك فيها الدولة حصصا. يُضيف الصحافي في مقاله أن الهندسات المالية لا يجب أن تقتصر على مصرف لبنان وألا تكون ملك يديه. في الواقع مصرف لبنان مسؤول بشكل مباشر عن القطاع المصرفي وليس بقية القطاعات. وعلى الرغم من ذلك، دعم مصرف لبنان القطاعات الأخرى كما جاء في تعاميمه:
تعميم مصرف لبنان رقم 135 دعم القطاع العقاري عبر السماح له بضمان دينه بالعقارات حيث يُمكن للمصرف تحديد الفترة الإستهلاكية على مدّة 20 سنة. في هذه الحالة يُعلن المطوّر العقاري كمُفلس أو يتم ختم الملف. على هذا الصعيد يتوجّب الذكر أن المُطوّر العقاري هو تاجر ولا يتشارك ربحه مع المصارف أو مصرف لبنان لذا فإن دعمه غير مُبرّر.
تعميم رقم 331 والذي يدعم القطاع التكنولوجي والذي بفضّله أصبح لبنان يمتلك أكثر من 300 شركة تكنولوجية مع أكثر من 7500 موظّف في هذا القطاع.
أيضًا أصدر مصرف لبنان تعاميم تسمح للمصارف بإعادة جدولة القروض المُتعثّرة في القطاع السياحي وحديثًا كل القروض المدعومة في مختلف القطاعات يُمكن جدولتها.
إن ما يجب الإعتراف به هو أن هناك مُشكلتين أساسيتين هما العجز في الموازنة العامة وضعف الإستثمارات. وهاتان المُشكلتان لا تطالان القطاع المصرفي بل المالية العامة والإقتصاد اللبناني، لذا يتوجّب على الحكومة اللبنانية مُعالجتهما في أسرع وقت مُمكن. أما في ما يخصّ الليرة اللبنانية والقطاع المصرفي، فإن تقرير ستاندارد أند بورز هو أكبر دليل على صوابية السياسة النقدية من خلال إقرار الوكالة بثبات التصنيف الإئتماني للبنان وهذا دليل على أن مُستقبل لبنان مُستقر على عكس ما يقول مقال الإيكونوميست الذي هو عبارة عن رأي تمّ الوصول إليه بعد بحث مُعيّن (بغضّ النظر عن رأينا بالمنهجية التي تأخذ بالإعتبار وجهة نظر واحدة!).