فجأة ومن دون انذار، اشتعلت الجبهة السياسية بين ركني سيبة العهد “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر”. مسار التشكيل انحرف عن خطه المفترض دستورياً لينحو في اتجاه ازمة حكم ونظام. قبل زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري للقصر الجمهوري وتقديم تشكيلته المبدئية، كان الامن مستتبا على خط بعبدا – بيت الوسط، على رغم موجة التسريبات التي كانت ترتفع حينا وتهدأ حينا آخر متناولة التكليف ومهله، ومحددة مواعيد للحريري وخطوات سيقدم عليها رئيس الجمهورية لوضع حد للمماطلة في التشكيل، آخرها توجيه رسالة الى مجلس النواب.
حتى الامس كان الحريري لا يزال في مربع التهدئة ويحرص على تأكيد تمسكه بالتسوية السياسية التي قادت عون الى بعبدا واوصلته الى السراي، وما زال على الارجح. الا ان الحملة التي تصاعدت في شكل غير مسبوق على إثر تقديم تشكيلته المفترض انها سرية، كما قال الرئيس الحريري من بعبدا، ولّدت على ما تؤكد اوساط مستقبلية لـ”المركزية” نقزة في بيت الوسط اولا لجهة تسريب التشكيلة حتى قبل ان يقول الرئيس عون كلمته فيها وثانيا للمدى الذي بلغه التصعيد الذي انتقل من مركزية العقد التقنية والخلاف على الحصص والاوزان والاحجام وتوزيع الحقائب على القوى السياسية بما يعرقل ولادة الحكومة، الى ما يشبه ازمة نظام حول الصلاحيات الرئاسية وجدوى اتفاق الطائف وصولا الى الشراكة في السلطة.
وترى الاوساط في خلفية ما حصل “قطبة مخفية” مرتبطة في جانب منها بالتصعيد الذي استبق “التشكيلة” على خلفية ملف التطبيع مع سوريا وفتح معبر “نصيب الحدودي” وزيارات الوزراء المتكررة الى دمشق ودعوة كتلة الوفاء للمقاومة الحكومة والقوى السياسية لإعادة النظر بموقع لبنان الاستراتيجي وعلاقاته مع الخارج، ملاحظة محاولة من الفريق الذي يقف خلف هذه التوجهات في اتجاه دفع لبنان الى محور يوهم اللبنانيين والعالم انه منتصر في حين ان انتصاراته وهمية، غير عابئ بتشكيل الحكومة.
بيد أن الاوساط المستقبلية تجدد التأكيد بأن الرئيس الحريري متمسك بالتسوية الى الحد الاقصى ويبذل كل ما يمكن للحفاظ عليها على امل وضع حد للتصعيد المتمادي ومنع انزلاق ازمة التشكيل الى ازمة نظام يسعى البعض الى نبشها عند كل استحقاق دستوري في ما يُقرأ فيه محاولة للمسّ بجوهر اتفاق الطائف لا سيما لناحية الشراكة، معتبرة ان بياني كتلة المستقبل ورؤساء الحكومات السابقين ليسا هجوميين كما صورهما البعض انما مجرد وضع الامور في نصابها والتذكير بالصلاحيات الممنوحة للرئيس المكلف التي يبدو تناساها هذا البعض محاولا انتزاعها من الرئيس المكلف عبر فرض شروطه على قاعدة حكومة وفق ما نريد او لا حكومة. أما الحديث عن “امر عمليات سعودي” بعدم التشكيل، فتعتبره الاوساط من دون معنى لان الرئيس الحريري هو المستفيد الاول من التشكيل، سائلة: “أين الدور السعودي في عرقلة التشكيل؟”