كتبت ناتالي أقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
على وقع سيل التكهنات والتحليلات في بهو دار المحكمة العسكرية ما بين «القضية منتهية»، و«الاستجواب مش اليوم»… مَثُلت للمرة الاولى المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج والمقرصن إيلي منير غبش أمام هيئة المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد حسين عبدالله أمس، قبل أن تُرجأ محاكمتهما في قضية ملف المسرحي زياد عيتاني وفبركة التعامل مع إسرائيل، إلى 25 كانون الثاني 2019. في هذا الإطار، كشف وكيل الحاج المحامي رشيد درباس لـ«الجمهورية» إلى «انّ الخطوات المقبلة ستركّز على التسجيلات الصوتية لنفي العلاقة بين الحاج وغبش».
«بطقّة الشمس»، منذ الساعة العاشرة والنصف حتى الواحدة إلّا رُبعاً، بقي الصحافيون ينتظرون في بهو المحكمة العسكرية موعد انطلاق الجلسات الاربع، التي كانت على جدول أعمال المحكمة، وعيونهم مسمّرة على «درفة» الباب الخشبي للقاعة. «ليش نص أستراليا عنّا؟»، شكّل السؤال الاكثر ترداداً على ألسنة الصحافيين والمحامين، ولكن سرعان ما جاءهم الجواب حين اطّلعوا على الـrole، الجدول الخاص بالجلسات، ففي إحدى الدعاوى يُحاكم الاسترالي اللبناني عامر محمود الخياط بتهمة محاولة تفجير طائرة إماراتية قادمة من سيدني إلى لبنان العام 2017، ما استدعى وجود ممثلين وصحافيين من السفارة الاسترالية.
في التفاصيل
بدا الانتظار ثقيلاً، إلى حين نزل العميد عبدالله وهيئة المحكمة من الطابق الاول متوجهين إلى قاعة المحكمة الدائمة. عندها، ما لبث ان فُتح الباب ودخل الصحافيون يُمشّطون بنظراتهم مقاعد المحكمة باحثين عمّن يمكن ان يكون على مقاعدها، غير انهم لم يجدوا ما يروون به فضولهم، لذا بقيت عيونهم تغزل في كل أرجاء القاعة.
بعدما أخذ أعضاء الهيئة أماكنهم، ألقيت التحية العسكرية، ثم دخل أحد الامنيين يلتقط الصور لكل الحاضرين في القاعة، وهذه الخطوة لا تحصل إلا في الجلسات «الدسمة». بعدها، دَردش عبدالله لثوان مع معاونه المستشار المدني القاضي محمد درباس، حول ما إذ يتم اعتماد تسلسل الجلسات وفق الجدول أو يتم البدء بجلسة غبش – الحاج. سرعان ما حُسم القرار ونادى عبدالله على غبش، فدخل مرتدياً سروالاً كحلياً، وقميصاً مزيّحة كحلي وأبيض، وذقنه شبه مرخية. سأله عبدالله: مين موكلك؟ فأجاب: انطوان دويهي، وسرعان ما تقدّم من قوس المحكمة. بعدها، نادى عبدالله على المقدم سوزان الحاج، فأطلت مرتدية بزّتها العسكرية الرسمية، واستدارت مُستفسرة من احد الامنيين عن المكان الذي يجب ان تقف فيه، ثم ألقت التحية العسكرية، بعدها تقدم فريق الدفاع المكوّن من الوزير السابق المحامي رشيد درباس، زياد حبيش، مارك حبقة، وسام عيد.
أخذ درباس الكلام طالباً الاستمهال وإيداعهم نسخة عن التسجيلات الصوتية والداتا العائدة لهاتف غبش، لاستكمال الملف في الدفاع عن الحاج. فبادر العميد عبدالله بالتوضيح: «نسمح للمحامين الاطلاع على داتا الاتصالات في قلم المحكمة، لأنّ على هواتف أصحابها خصوصية قد لا تمتّ بالقضية القائمة». وتابع: «سنسمح بالاطلاع على مضمون التسجيلات المتعلقة في هذه القضية في قلم المحكمة».
وحينما لم يكن لوكيل غبش ما يقوله سوى انه سيقدم طلب إخلاء جديد لموكله، رفع عبدالله الجلسة إلى 25 كانون الثاني 2019. بعدها انسحبت الحاج، فيما بقي غبش الذي يُحاكم بقضية ثانية، وهي «اختلاق أدلة مادية إلكترونية لجريمة التعامل مع الموساد الإسرائيلي، وعزوها إلى إيزاك روحانا دغيم، وإبلاغها إلى مديرية أمن الدولة». وفي هذه الجلسة قررت المحكمة تكرار استدعاء إيزاك دغيم قبل ان، ترجىء الجلسة أيضاً إلى 25 كانون الثاني 2019.
انا لم أطلب شيئاً ولكن…
وفي أوّل تعليق له بعد الجلسة، أعرب درباس عن ارتياحه لـ»الجمهورية»، قائلاً: «الجلسة مُريحة، المحكمة واسعة الصدر، والمناخ الذي رافقها كان جيداً، فقد استجابت المحكمة لطلبنا لناحية التأجيل والإطلاع على بعض التسجيلات الصوتية». وأضاف: «أردنا الاتجاه نحو التأجيل ليتسنّى لنا الاستماع إلى هذه التسجيلات ريثما نحضرّ مذكرة دفوع شكلية نقدّمها. لذا، في الجلسة المقبلة سنكون قد اطّلعنا على التسجيلات».
نفى درباس أن يكون تمنّى أي موعد آخر غير الذي حددته المحكمة مطلع العام القادم، قائلاً: «أنا لم أطلب شيئاً بالنسبة لموعد الجلسة، كل ما أريده الاستمهال للاطلاع على الملف وبعض التسجيلات». وتابع درباس مشيراً إلى الخطوات المقبلة: «في ظل الاجواء المريحة نحن على ثقة من براءة موكلتنا، رغم انّ الفريق الآخر يحاول التذرع بالتسجيلات لإثبات علاقة الحاج بغبش وتلفيق التهمة بشكل تام. ولكن برأينا من خلال كل التحقيقات التي تمّت، لم نجد أي شيء من هذا القبيل. وبالتالي، وكي نقطع الشك باليقين، سنستمع الى التسجيلات و»نقراهن بعيونّا»، بعد ذلك نُقدم مذكرة الدفوع الشكلية». وتابع موضحاً: «الدفوع الشكلية تنص عليها المادة 73 من قانون اصول المحكمة الجزائية، التي من شأنها إذا أخذت بها المحكمة أن تُبطِل قرار الإتهام وتُوقِف التعقبات».
محاولة تفجير طائرة
لم تكد تنتهي هيئة المحكمة من ملفّي غبش حتى فرغت القاعة من نصف الصحافيين. بعدها، انتقلت إلى محاكمة الاسترالي اللبناني الموقوف عامر الخياط، بينما أشقاؤه يحاكَمون غيابياً، وهم: طارق الخياط (هو أحد قياديي تنظيم «داعش»)، خالد الخياط، محمود الخياط، وابن شقيقه محمد خالد الخياط كفارّين من وجه العدالة، بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش، ومحاولة تفجير طائرة ركاب إماراتية في 16 تموز 2017، بعد إقلاعها من مطار سيدني في أستراليا بواسطة عبوتين ناسفتين، الّا أنّ الجرم لم يتحقق لأسباب خارجة عن إرادتهم، وتحديداً الوزن الزائد في حمولة عامر، الذي أوقف لاحقاً في لبنان.
أكثر من ساعة ونصف دامت الجلسة، وعلامات الدهشة لم تفارق عامر: «والله ما دَخّلني وما كنت عارف بشي»، محاولاً أخذ الاستجواب إلى مكان آخر كالتوقف عند الوضع السيئ في سجن رومية، وغيره من القضايا. وفي كل مرة كاد يخرج فيها عن صوابه، كانت موكلته المحامية جوسلين الراعي تضبط الامور قائلة: «بتِجاوِب على قَد السؤال».
«إخواتي بَدّن يتخلّصو منّي»
تركّز الاستجواب امس على التسجيلات الصوتية المتبادلة على الواتساب بين عامر وشقيقه محمود، والتي لم تحمل أي إدانة مباشرة، حتى انّ الصور التي عُثر عليها في هاتفه نَفى أن يكون قد احتفظ بها شخصياً، وإحداها رسالة وداعية باللغة الانكليزية موجّهة لأمه، فقال: «سيّدنا توفيت أمي منذ العام 2010، كيف لي أن أودّعها بعد اعوام؟ لو كنت أنا صاحب الرسالة لوَدّعت بناتي، فأنا مطلّق ولي ابنتان وأراهما في الاسبوعين مرة». ولفت عامر إلى «انّ علاقته بأشقائه كانت سيئة جداً بسبب سلوكه المنحرف ومعاقرته الخمرة وتعدد علاقاته»، ولم يتردد في البَوح عن شكوك ساورته بأنّ «شقيقيه خالد ومحمود اللذين أقنعاه بالمجيء الى لبنان، وتعهدا بدفع تكاليف السفر، كانا يريدان التخلص منه بسبب سلوكه».
بعد الانتهاء من مواجهة الخياط بالتسجيلات المُشار اليها، طلبت الراعي إخلاء سبيل موكلها بكفالة لتتم محاكمته وهو خارج السجن، إلا ان المحكمة قررت البت لاحقاً في إخلاء السبيل، بعد تقديم طلب خطي في قلم، وقررت توجيه كتاب الى السلطات الأسترالية لإيداعها نسخة عن التحقيقات التي أجرتها هذه السلطات بشأن هذا الملف، وتوجيه كتاب الى السلطات العراقية للتثبّت مما إذا كان طارق الخياط قد اعتقل فعلاً في العراق. وأرجَأت المحكمة الجلسة الى 12 شباط 2019.