لم يعد من مجال للشك بعد ما آلت إليه المستجدات على مستوى تشكيل الحكومة أن الملف برمته عاد إلى المربع الأول ولا إمكان لإخراج حكومة الرئيس المكلف الثالثة من عنق الزجاجة العالق فيها منذ ثلاثة أشهر ونيف إلا بأعجوبة. التأزم في ذروته، التمترس خلف الشروط على حاله، جدران الممانعة ترتفع والعقد هي إياها. أما الرهان على التراجع أو تعديل المواقف فحظوظه شبه معدومة في ضوء ما أظهرته معطيات الأيام الأخيرة، على جبهة تعاطي ثلاثية التيار “الوطني الحر”، الحزب “التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية” مع الاستحقاق.
أمام هذا المشهد، يقف “حزب الله” في الصف الخلفي منكفئا ومعمما على وزرائه ونوابه ومسؤوليه على المستويات كافة وجوب التزام الصمت لاسيما في ما يتصل بالسجال الذي فُتح حول الصلاحيات وتحول إلى حرب كلامية سنية – مارونية، تبين أن أبرز نتائجها الأولية تعويم وضع الرئيس سعد الحريري سنيا إلى الحدود القصوى واصطفاف مسؤولي الطائفة سياسيا وروحيا خلفه في استعادة لسيناريو مشابه لواقع الحال عام 2005.
في قراءة سياسية للوضع المستجد، تقول أوساط سياسية مسيحية تتابع التطورات الحكومية عن كثب لـ”المركزية” إن السؤال البديهي الذي يطرح نفسه في هذه الحال يتمثل بالآتي: هل يقف “حزب الله” خلف تصلب التيار “الوطني الحر” وهل أن رئيسه الوزير جبران باسيل ينفذ أجندة الحزب؟ الجواب الواضح هو كلا، تجزم الأوساط، ذلك أن مصلحة “حزب الله” لا تكمن أبدا في استعادة الرئيس الحريري هذه الحيثية السنية القوية شعبيا وسياسيا وروحيا وإقليميا، لأن الجميع يدرك أنه يدفع في اتجاه تفريق السنة لا لمّ شملهم وفق ما يحصل راهنا، حتى أن النواب السنة العشرة انكفأوا حينما بدأت معركة الصلاحيات، ما يعني أن نتائج الانتخابات لجهة المعارضة السنية تعطلت.
وهذا الواقع يقود إلى الاعتقاد أن “التيار” لا ينفذ إلا سياسة خاصة فيه، وأن “الحزب” يقف في موقع المتفرج ما دام حتى الساعة غير متضرر مما يجري، على رغم حاجته إلى تشكيل حكومة تقيه المقبل من شظايا التسويات الاقليمية. إلا أنه حينما يلمس بلوغ الوضع مرحلة قد تشكل خطرا عليه، سيضغط في اتجاه “التيار” لدفعه إلى القبول بتشكيلة الحريري، ولو على حسابه.
وفي مقابل الاصطفاف السني العارم خلف الرئيس الحريري، تشير الأوساط الى أن “التيار” لم يعد قادرا على حشد المسيحيين خلفه ولا سائر المكونات، فهو اختلق أزمة مع السنة وأخرى مع الدروز وثالثة مع قسم من الشيعة (حركة “أمل”) ورابعة مع الجزء الأوسع من المسيحيين، “القوات” و”المردة” وسائر الأحزاب، حتى أن بيان مجلس المطارنة الأربعاء شكّل رسالة واضحة لهذا الفريق من خلال الدعوة لسحب نزاع الصلاحيات من التداول.
تبعا لهذا الواقع، تسأل الأوساط إلى أين يتجه “التيار” في معركة من هذا النوع؟ حتى أن ترميم العلاقة مع الحريري بات مهمة صعبة، والأرجح أن تنتقل من حال تحالفية إلى وضع مساكنة يشبه ما هو سائد في علاقة “المستقبل” مع “حزب الله” بفعل غياب الثقة نتيجة موجة العدائية التي سادت في اليومين الأخيرين. وتضيف: الرئيس الحريري أودع الرئيس ميشال عون تشكيلته وبعدما سلمه الأمانة، ينتظر جواب بعبدا وحصول تطور في موقف “التيار الحر” للتوجه إلى القصر الجمهوري، لأنه ليس في وارد تعديل التشكيلة لجهة حصتي “القوات” و”الاشتراكي” تحديدا والرهان على تراجعه ساقط حكما، تجزم الأوساط.