يحلّ لبنان في المرتبة السادسة كأقل البلدان العربية تمييزاً بحق المرأة، وعلى الرغم من أنه يسجّل معدّلات أفضل من تلك المرصودة في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً لناحية الحصول على وظيفة والاستفادة من الحوافز في العمل والتعامل القضائي، إلا أنه يقبع في أدنى سلم البلدان التي توفّر حماية للنساء من العنف الأسري والتحرّش في العمل على مستوى المنطقة والعالم.
أكثر من نصف نساء العالم، أي أكثر من 2.7 مليار امرأة، يتعرّضن للتمييز والاستغلال في العمل. في 104 بلدان حول العالم، تواجه النساء العاملات حواجز مترسخّة قانوناً تحرمهن من العمل في وظائف معيّنة. وفي كلّ من هذه البلدان، هناك قانون واحد على الأقل يفرض تمييزاً على النساء، سواء في أداء بعض الوظائف أو في الحصول على الأجور والتعويضات نفسها التي ينالها الرجل، أو حتى في عدم وجود قوانين لحمايتهن وتوفير ظروف عمل آمنة.
هذه النتائج يستعرضها تقرير تحت عنوان «المرأة والعمل والقانون ــــ 2018» صادر عن «البنك الدولي»، ويغطّي 189 بلداً. وهو التقرير الخامس ضمن سلسلة تصدر كل عامين لقياس التمييز الذي تتعرّض له النساء بموجب قوانين تقيّد مشاركتهن الاقتصادية وتنطوي على استغلال وإجحاف. ويستند التقرير إلى مجموعة من المؤشّرات على صلة بحقوق المرأة والإنسان، واتفاقية القضاء على كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة، والمعاهدات الدولية حول القضاء على العنف ضد المرأة. وتتناول هذه المؤشرات النظم التشريعية والاجتماعية والثقافية السائدة في البلدان قيد الدراسة.
على رغم تماهي بعض هذه المؤشّرات مع سمات الرأسمالية القائمة على استغلال فائض الإنتاج، أي استغلال العمالة (نساءً ورجالاً وحتى الأطفال) لمراكمة رأس المال والأرباح، ومحاولة تصويرها وكأنها نتاج الثقافة السائدة في بلدان معيّنة فقط، مثل الوظائف الليلية، إلا أنها تسمح برسم صورة عن حجم اللا مساواة القانونية بين الجنسين، والقيود المفروضة على العمل والتعليم وحرية الحركة وفقاً للنوع الاجتماعي، فضلاً عن معدّلات التحرّر من التمييز على أساس الزواج والأمومة والحماية من العنف والتحرّش والحقّ بالحصول على أجور وإجازات وتعويضات.
يحلّ لبنان في المرتبة السادسة كأقل البلدان العربية تمييزاً بحق المرأة، لكنّه يسجّل معدّلات أدنى في مؤشّرات حقوق الملكية وحماية النساء من العنف بالمقارنة مع بلدان الشرق الأوسط، فضلاً عن معدّلات أدنى في مؤشرات الحصول على وظيفة والاستفادة من الحوافز في العمل، بالإضافة إلى حقوق الملكية والحماية من العنف، بالمقارنة مع شريحة بلدان الدخل المتوسط الأعلى التي ينتمي إليها.
في المجمل، يسجّل لبنان 22 معياراً تمييزياً ضدّ المرأة من أصل 50 (وفق معايير الدراسة). إذ لا توجد فيه قوانين متعلّقة بالملكية تحصّن النساء في حال الطلاق وتقضي باقتسام الملكية مع الزوج أو الحصول على مساهمات غير نقدية لقاء خدمة الأسرة ورعايتها، فضلاً عن وجود قوانين تمييزية ضدّ النساء متعلّقة بالإرث. كما تنعدم قوانين حماية النساء بعد فترة الولادة، إذ تقل فترة إجازة الأمومة المدفوعة عن 14 أسبوعاً، ولا تعطي الحكومة تعويض أمومة، فضلاً عن عدم وجود قانون لإعطاء إجازة أبوة أو إجازة مشتركة بين النساء والرجال لرعاية حديثي الولادة، أو قانون لضمان الاستقرار في العمل وفق الرتبة نفسها والأجر نفسه بعد الولادة، أو قانون لحسم مدفوعات الطفولة والتعليم من الدخل الخاضع للضريبة. كما لا توجد قوانين تفرض منح النساء أجوراً متساوية في الأعمال ذات القيمة نفسها، فضلاً عن وجود وظائف ممنوعة على النساء.
أمّا في ما يتعلّق بحماية النساء وتأمين مكان آمن للعمل، تبيّن الدراسة أنه لا يوجد قانون يقضي بمكافأة من يكافحون التمييز ضد المرأة، ولا تشريعات لمكافحة التحرّش في العمل وعدم اعتبار التحرّش اللفظي والسلوكي بمثابة جريمة، كما لا تمنح النساء أي حماية قانونية في حالات التحرّش. إذ يسمح لهن بفسخ العقد من دون ترتيب أي غرامات عليهن، لكن من دون إعطائهن أي تعويض.
في الواقع، لم يحصل أي بلد على مجموع النقاط الكامل في المؤشرات التي يتناولها التقرير، ما يعني عدم تسجيل أي بلد مساواة كاملة بين الجنسين. وفيما حققت المملكة المتحدة ونيوزيلندا وإسبانيا أعلى الدرجات في كلّ المؤشّرات، وحصلت البلدان المرتفعة الدخل في منظمة التعاون الاقتصادي على أعلى متوسط النقاط في كلّ المؤشرات، سجّلت بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أدنى متوسط في معظم المؤشّرات.
يبيّن التقرير أن في ثلث البلدان التي غطّاها، هناك قانون واحد على الأقل يحدّ من قدرة المرأة على الوصول إلى المؤسسات، بسبب قوانين تفرض قيوداً على تفاعل النساء مع السلطات العامة وتحدّ من أهليتهن للعمل أو القدرة على إجراء المعاملات. وقد سُجّل المعدّل الأعلى في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (100 نقطة)، والمعدّل الأدنى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (66). فقد تبيّن أن هناك 48 بلداً تمنع النساء من الحصول بمفردهن على جواز سفر أو على بطاقة هوية، و31 بلداً تحظر عليهن اختيار مكان سكنهن وأن يكنّ ربّات أسر، و18 بلداً تمنعهن من الحصول على عمل من دون إذن الزوج أو ولي الأمر، و17 بلداً تمنع النساء من الخروج من المنزل، و6 بلدان من السفر خارج البلاد، و4 بلدان من تسجيل عمل، و3 بلدان من فتح حساب مصرفي، وبلد واحد من توقيع عقود.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك 123 بلداً لا توجد فيها قوانين لتجريم التحرّش الجنسي في المؤسسات التعليمية، ونحو 59 بلداً لا تملك قوانين لمواجهة هذه الجرائم في أماكن العمل، و45 بلداً لا توجد لديها تشريعات للحماية من العنف الأسري، و18 بلداً تعطي الرجل الحقّ بمنع زوجته من العمل، وأيضاً، تبيّن الدراسة وجود 134 بلداً تعطى فيها النساء مساهمات نقدية لقاء خدمة الأسرة ورعايتها، وغالبيتها تطبّق نظام الملكية المجتمعية وتقاسم الأصول والممتلكات بين المرأة والرجل، وهناك 39 بلداً لا تعطى فيها المرأة الأرملة الحق في الإرث عن زوجها، و39 بلداً لا ترث فيها النساء النسبة نفسها من الأصول كما الرجال. كما تظهر البيانات وجود 120 بلداً تقدم المعونة القضائية للنساء في المسائل المدنية و/ أو العائلية.
وفي توفير الحماية في العمل، فإن 80% من البلدان تحظر التمييز بين الجنسين، إلّا أن 40% منها فقط تعترف بأجور متساوية في الأعمال المتساوية القيمة، و113 بلداً لا توجد فيها مساواة في الأجر في العمل المتساوي القيمة، و37 بلداً ليست لديها قوانين لحماية العاملات الحوامل من الفصل. وفيما يتعلّق بالتعويضات، يوجد نحو 96 بلداً تدفع فيها الحكومات مستحقّات إجازة الأمومة بنسبة 100%، و27 بلداً تدفع 50% من هذه المستحقّات. كما يبرز التفاوت في تحديد قيمة الراتب التقاعدي في كل المناطق في العالم، إلا أن النسبة الأعلى تسجّل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (58% من البلدان) وأوروبا وآسيا الوسطى (40%).
لا تزال هناك قيود قائمة تحرم النساء من العمل في بعض المجالات. فنحو 65 بلداً تمنع النساء من العمل في التعدين، و47 بلداً من العمل في التصنيع، و37 بلداً في البناء، و29 بلداً في الطاقة، و27 بلداً في الزراعة، و26 بلداً في المياه، و21 بلداً في النقل. وهناك 104 بلدان تفرض قيوداً على توظيف المرأة في مجالات معيّنة لأنها «غير مناسبة أخلاقياً»، والنسبة الأعلى مُسجّلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (65%).
في 40% من البلدان التي شملتها الدراسة، هناك قانون تقييدي واحد على الأقل يتعلّق بحق النساء في امتلاك الأصول وإدارتها، وهو ما تراه الدراسة من العوامل المؤثّرة على قدرة النساء في تأسيس أعمال وإدارتها. ويسجل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المعدّل الأدنى (43 نقطة) في هذا المؤشّر.
تُسجّل أدنى معدّلات الحماية للنساء من العنف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (24 نقطة) وأعلاها في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (75 نقطة). إذ إن هناك 21 بلداً لا يوجد فيها أي حماية، 35% منها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و19% في أفريقيا الجنوبية، إضافة إلى روسيا وهايتي وميانمار وأوزبكستان، وهو ما يعني عدم وجود أيّ قانون لحمايتهن أو معاقبة ممارسي العنف.