لم يكن ينقص المفاوضات المتعثرة في تشكيل الحكومة إلا اشتباك الصلاحيات الذي أثارته الصيغة الحكومية التي قدمها الرئيس المكلف سعد الحريري إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، معطوفة على البيان الذي أصدره مكتب الإعلام في قصر بعبدا، في محاولة لوضع النقاط على حروف المعايير الحكومية التي كان عون حدد أطرها في الخطاب الذي ألقاه في عيد الجيش.
إلى هذه الصورة، يضيف المراقبون دخول رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي، تمام سلام وفؤاد السنيورة على خط الدفاع عن “صلاحيات الرئيس المكلف”. ففي وقت بدا الحريري يحاول، من خلال الصيغة التي تركها في القصر الجمهوري، تحريك المياه الراكدة حكوميا على وقع تمترس الأطراف المعنيين بالعقد الثلاث المعروفة خلف مواقفهم، أحدثت خطوته، والرد الرئاسي الذي لاقته، ما يمكن تسميته “انفجارا سنيا” في وجه العهد ومن ورائه “التيار الوطني الحر”، بلغت شظاياه ألد خصوم الرئيس الحريري السياسيين، وفي مقدمهم اللواء أشرف ريفي، الذين حذروا من مغبة المساس بـ “موقع رئاسة الحكومة”.
هذه الصورة العابقة بالتشاؤم تدفع إلى القول إن مسار مفاوضات التشكيل تجاوز إلى حد بعيد حرب تناتش الحصص وتحديد الأحجام التي انبرى إليها الجميع باكرا، ليبلغ حدود إطاحة التسوية الرئاسية المبرمة بين الحريري والرئيس ميشال عون عام 2016، ما أتاح ملء الفراغ الرئاسي وإطلاق محركات العهد، بدليل أن من يمكن اعتبارهم “صقور التيار الوطني الحر” ذهبوا عبر “تويتر” إلى الدفاع عن الرئاسة الأولى وتأكيد عدم المس بصلاحيات الرئيس المكلف.
وإذا كان من شأن هذا المشهد أن يثير مخاوف على صمود تسوية 2016 ، في حين يتحدث البعض عن أزمة نظام قد تنفجر من باب مواجهة سياسية أعطيت طابعا طائفيا نافرا سنيا-مارونيا، فإن مصادر كتلة المستقبل تبدي عبر “المركزية” حرصا شديدا على “عدم تضخيم الأمور”، مشددة على أن “السجالات التويترية التي شهدتها الساعات الماضية لا تهدد التسوية بين عون والحريري، بدليل أنهما متفاهمان والرئيس المكلف ينتظر الملاحظات الرئاسية على المسودة التي تسلمها رئيس الجمهورية الاثنين الفائت”.
وتؤكد المصادر أن “ما دام تيار المستقبل موجودا، فلا خطر على اتفاق الطائف ولا على النظام السياسي في البلد، فإنها تشير إلى أن الرئيس المكلف مصر على تشكيل حكومة وحدة وطنية. ذلك أن وضع البلد غير سليم وهو يستوجب المباشرة السريعة في وضع الاصلاحات التي ينتظرها المجتمع الدولي من لبنان، والبدء في وضع مسار مؤتمر “سيدر” على سكة التنفيذ الفعلي”، لافتة إلى أن “كل هذا يتطلب وجود بعض القوى الأساسية، بينها “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، علما أن هذا لا ينفي وجوب أن يكون الجميع في عداد المشاركين في الحكومة العتيدة.
وفي السياق نفسه، تشدد المصادر نفسها على أن “الرئيس الحريري يعرف الدستور وصلاحياته جيدا، وهو لا يريد الدخول في هذا السجال الذي يأتي في غير مكانه لأن التركيز يجب أن ينصب على تشكيل الحكومة في أقرب الآجال”.