تحقيق رولان خاطر
شكل ارتفاع حوادث السير خلال الشهرين الأخيرين والأرقام التي انتشرت عن ضحايا الموت على الطرقات صدمة لدى اللبنانيين، ودليلاً على حجم الهستيريا التي يعيشها بعض المواطنين واللامبالاة التي يتّسم بها رجال السلطة.
بحسب احصاءات اليازا”، فإن شهر آب 2018 هو شهر مأساوي بامتياز، بلغ فيه عدد ضحايا السير وأغلبيتهم من الشباب 52 ضحية واصابة نحو 600 مع العلم أن عددا من الجرحى حالتهم خطرة وهم على فراش الموت، وبالتالي، من المقدر أن يرتفع الرقم بشكل يومي.
رغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها جمعية “اليازا” وحتى الجهود ونشرات التوعية التي تقوم بها “قوى الأمن الداخلي”، فلا من يسمع ولا من يلتزم، وذلك مردّه بشكل طبيعي الى استهتار المواطن بهيبة الدولة، لغيابها، وغياب تطبيق قانون السير بشكل جدي.
نائب رئيس “اليازا انترناشونال” جو الدكاش وصف الوضع بـ”غير المقبول”. واعتبر أن ما تقوم به “اليازا” على مستوى الاعلام والتوعية والنداءات التي تطلقها باستمرار أقوى سلاح يجب ان يحرك المعنيين والمسؤولين للقيام بخطوات المعالجة، خصوصاً أن المجتمع المدني ليس لديه لا سلطة تشريعية ولا تنفيذية. وقال لـIMLebanon: “هناك اجرام بحق الشعب اللبناني الذي يجب ان يثور على مسؤوليه الذين لا يحترمون حياته ولا يعيرونها اهمية. فقد بات دم اللبنانيين محللا على الطرقات ولا من يسأل”.
وإذ رأى أن الوزارات المعنية هي المسؤولة، أي وزارة الاشغال والداخلية، دعا الدكاش المعنيين وخصوصا رئيس الحكومة إلى تفعيل المجلس الأعلى للسلامة المرورية الذي أقر في قانون السير الجديد وتم افتتاحه، والدعوة الى اجتماع مفتوح واستثنائي لهذا المجلس لوضع حد لسفك الدماء على الطرقات، إذ أنه لا يمر يوم إلا ويقع قتلى وجرحى نتيجة حوادث السير، والأمور تصاعدية بشكل ملحوظ كل شهر.
كما دعا الى اتخاذ تدابير استثنائية من قبل الحكومة ومن قبل الأجهزة الأمنية لمعالجة الانحطاط في التعاطي مع ملف حوادث السير في لبنان، مضيفا: “طفح الكيل”.
مدير الاكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل ابراهيم قال لـIMLebanon: “الارقام مقارنة بالسنوات السابقة هي نفسها، ففي السنوات 2012، 2013 و2014 على سبيل المثال كان عدد القتلى في حوادث السير يصل الى حدود الـ80، لكن اليوم، بوجود مواقع التواصل الاجتماعي والفيديوهات التي تنتشر بسرعة تعكس اهتماماً متزايداً، كما أن الاعلام يلعب دوراً أيضاً في الاضاءة على الموضوع، إلا أن هذه المشكلة كبيرة ومزمنة”.
ورأى أن المشكلة الأساسية أن الادارات الرسمية في لبنان فشلت في إدارة هذا الملف، والمعالجة خاطئة، الأمر الذي قد يعكس نتائج ايجابية لفترة محددة وصغيرة، إلا أن المشكلة تبقى قائمة وتعود دوماً. والمشكلة الأكبر غياب الجهة المسؤولة لمعالجة مشكلة حوادث السير. وتحميل المسؤولية لوزارة الداخلية أو لوزارة الاشغال أمر طبيعي، لكن الأهم وجود الجهة التي تنسّق بين هاتين الوزارتين، خصوصاً أن الادارات الرسمية في لبنان تلقي تتقاذف المسؤولية.
واعتبر أن قانون السير الجديد حمل إصلاحاً مهماً لكن المشكلة أن الأجهزة الرسمية في الدولة فرضت غرامات عالية من دون ان تقوم بالاصلاحات المطلوبة منها، وهي الاهم في القانون وليس مبدأ الغرامات العالية. واهم هذه الاصلاحات تطوير عدد من القطاعات، منها تعليم قيادة السيارات في لبنان الذي لم يتطور أبداً، ووضع إطار لملف السلامة المرورية من خلال هيكلية، تبدأ بإنشاء المجلس الوطني للسلامة المرورية، والذي للأسف لا يطالب به احد اليوم.
وأشار إلى أن رئاسة هذا المجلس تعود لرئيس الحكومة، ومعه وزراء الداخلية والأشغال والعدل والتربية، وواجباتهم وضع استراتيجية وطنية لسلامة المرورية في لبنان، والسهر على تطبيقها، مشيرا إلى أن السلامة المرورية في كل دول العالم يتم معالجتها على أعلى المستويات، لأن الحكومة تقر للوزارات المعنية الميزانيات الخاصة للقيام بواجبها، على غرار وضع اعتمادات خاصة لوزارة الاشغال لصيانة الطرق وتزفيتها.
واعتبر انه طالما ان السلامة المرورية ليست أولوية في السياسات الحكومية لن يتم لها لا القرار السياسي للمعالجة ولا التمويل، وغياب هذين الأمرين يؤدي الى التفلت الحاصل في لبنان اليوم.
وقال: “هناك 3 عناصر أساسية لمعالجة أي مشكلة على صعيد السلامة المرورية، وهي، القرار السياسي والتمويل والمتخصصون الذين يقومون بأبحاثهم ودراساتهم، وعلى اساس هذه الأبحاث والدراسات يوجد الحلّ.
ورداً على سؤال، أشار ابراهيم الى أن حوادث السير كالمرض الذي يجب تشخيصه لمعرفة طرق معالجته، من هنا فإن التشخيص العلمي يحدد سبب وقوع هذا الكم الكبير من الحوادث في المناطق اللبنانية، وعلى أساساه يتم اتخاذ الاجراءات المناسبة، خصوصاً أن أسباب الحوادث قد تختلف مثلا بين كسروان والنبطية او بين البقاع وبيروت.
وأضاف: “المطالبة بمجلس وطني للسلامة المرورية يوضع استراتيجية وطنية لمشكلة السير، هذه الاستراتيجية تتضمن 3 عناصر أساسية:
– استراتيجية خاصة بتطبيق القانون.
– استراتيجية تتعلق بصيانة الطرق.
– استراتيجية تتعلق بالاعلام والتوعية.
وهذه الاستراتيجيات مرتبطة ببعضها البعض، وتجعل كل الجهات المعنية ان تقوم بعملها استنادا من طروحات المجلس الوطني.
ابراهيم انتقد الغرامات العالية التي تفرض على بعض المخالفات، والتي تدفع ببعض المواطنين إلى الاتصال بمرجعيات امنية أو قضائية معينة لالغاء محاضر الضبط بحقهم لأنها عالية وغير قادرين على دفعها، هذا الأمر يؤدي إلى جعل القانون غير رادع.
خبير في أمانة سرّ المجلس الوطني للسلامة المرورية، كان متوافقا مع ما طرحه ابراهيم، فرأى في حديث لـIMLebanon أن السبب الرئيسي لعدم معالجة ملف الحوادث في لبنان يكمن في عدم تفعيل المجلس الوطني للسلامة المرورية، علما ان هذا المجلس في قانون السير وجد بهدف ادارة ملف السلامة المرورية. واعتبر أن كل الوزارات معنية في جزء من عملها بملف السير، لكن الادارة المسؤولة عن مراقبة هذا العمل هو المجلس الوطني السلامة المرورية، وهو الذي ينسق بين الوزارات والأجهزة كافة، من هنا، المطلوب تبني استراتيجية وطنية وتفعيل دوره واعطاؤه الضوء الأخضر.
إذا، نفتقد في لبنان الى الخطط العلمية للتخفيف وتحاشي حوادث السير مستقبلا بسبب غياب الدراسات العلمية. واليوم المطلوب من رئاسة الحكومة المبادرة لاتخاذ قرار سياسي لتفعيل عمل المجلس الوطني للسلامة المرورية، من اجل حماية أولادنا، والذي سيؤدي تفعيله إلى تخفيض عدد القتلى في السنوات الخمس المقبلة إلى نحو 50 بالمئة.