بعد أكثر من مئة يوم على تكليف الرئيس سعد الحريري مهمة تأليف الحكومة، قذف الرئيس المكلف كرة النار الحكومية إلى ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي ما لبث أن أعادها إلى الحريري، من باب ما سماها معايير لم تلحظها الصيغة التي بلغته أخيرا.
لكن، أبعد من قضية المعايير واشتباك الصلاحيات الذي اشتعلت به حلبات مواقع التواصل الاجتماعي حول الصلاحيات الدستورية العائدة إلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، لا يخفى على أحد أن الصيغة المبدئية التي أودعها الحريري رئيس الجمهورية دقت مسمارا جديدا في نعش التسوية التي أبرمها الرجلان قبل عامين لملء الفراغ الرئاسي بـ “الممثل الأقوى للمكون المسيحي”، على حد قول الدائرين في فلك العهد، كما أمعنت في دق الأسافين بين طرفي تفاهم معراب، اللذين مرت علاقاتهما بكثير من المطبات في مراحل سابقة. فبحسب التسريبات الإعلامية التي لا تزال بعبدا تبحث عن مصادرها، فإن التوليفة الحكومية الأحدث تلبي المطالب التي رفعتها “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، علما أن عددا من نواب وكوادر تيار المستقبل كانوا أعلنوا صراحة أن الرئيس المكلف مقتنع بأحقية ما تنادي به المختارة ومعراب، وأنه لن يقدم توليفة حكومية لا تنال رضاه واقتناعه الكاملين.
غير أن هذا المسعى الحريري لوضع حد لمسلسل التأليف المتأزم اصطدم بالفيتو البرتقالي، المطبوع بنكهة رئاسية على عدم منح “القوات” وزارة دولة، فيما أعطيت معراب 4 وزارات مصنفة خدماتية، علما أنها كانت تنازلت عن مطلب منصب نائب رئيس الحكومة و5 وزراء، بطلب من الرئيس المكلف نفسه، على ما كشف رئيس الحزب شخصيا في إطلالته التلفزيونية الأخيرة.
وكما مع “القوات” كذلك مع “الاشتراكي” الذي استجاب الحريري لرغبته في تمثيل ثلاثي درزي كامل، على غير ما يشتهيه رئيس الجمهورية وفريقه، حيث تسود وجهة نظر تفيد بأن احترام نتائج الانتخابات النسبية يفترض توسيع رقعة التمثيل الدرزي لتشمل رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني” طلال أرسلان بوصفه رئيس كتلة نيابية يجب أن تكون حاضرة في مجلس الوزراء.
وإذا كان من شأن هذه الصورة أن تعزز انطباعا مفاده بأن، على عكس ما كان يتوقعه، جعلت المفاوضات الحكومية العهد العوني وفريقه يقفان وحيدين في مواجهة الثلاثي الحريري-جعجع -جنبلاط، فإن مصادر سياسية تلفت عبر “المركزية” إلى أن أهم ما في ذلك أن حلفاء التيار والعهد التقليديين يقفون موقف المتفرج عليهما وهما يخوضان المنازلات الحكومية لـ”تحصيل المكاسب”. وليس أدلّ إلى ذلك من الصمت الثقيل الذي يعتصم به “حزب الله”، ممتنعا بذلك عن مد “التيار” صراحة بجرعة الدعم المعهودة. وتلفت المصادر في هذا الإطار إلى أن الحزب الصامت إزاء التيار لم يتأخر في شن هجوم كلامي عنيف عبر “المركزية” على ثلاثي معراب-المختارة- بيت الوسط، متهما “أضلاعه” بوضع العصي في دواليب التأليف. كل هذا في وقت يهندس رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بكثير من الهدوء والتأني، عودة سلسة لمياه علاقاته مع “القوات” إلى مجاريها.
على أن لا شيء يشي بأن من شأن هذا المشهد المعقد العابق بالمطالب والحسابات، أن يدفع العونيين في اتجاه أي تبديل في مواقفهم. وفي السياق، يفيد بعض المطلعين على موقف التيار “المركزية” بأن الأخير “لا يلزم أحدا بشيء، ويعتبر أن لبنان بلد ديموقراطي”.
إلا أن المصادر نفسها تشدد على أن العونيين لا يزالون عند موقفهم من حيث مطالبة الرئيس المكلف يوضع معيار موحد لتشكيل الحكومة، على أن يكون هذا المعيار نتائج الانتخابات وما أفرزته من أحجام وحصص نيابية. إذ لا يعقل أن يخرج طلال أرسلان منتصرا من معركة انتخابية خيضت على أساس النسبية، ويحرم من حقه في التمثيل الحكومي، في مقابل حصر التمثيل الدرزي بالنائب السابق وليد جنبلاط”، مشيرة إلى أن “الأمر نفسه ينطبق على “القوات” التي لا يجوز ألا تكون لها وزارة دولة، بل 4 حقائب أساسية”، مذكرة بأن الرئيس عون كان تنازل عن منصب نائب رئيس الحكومة في حكومة تصريف الأعمال، لصالح معراب من باب رد الجميل لـ “القوات” التي ساهمت بشكل أساسي في انتخابه رئيسا.
وتختم المصادر مؤكدة أن “التيار” سيواصل هذه المعركة التي يعتبرها مبدئية ليؤمن صحة التمثيل الحكومي تبعا للأحجام التي انتهت إليها انتخابات 6 أيار.