كشفت مصادر استخبارية غربية أنه في شهري تموز وآب الماضيين استخدمت إيران طائرة مدنية لنقل السلاح إلى حزب الله مباشرة عبر مطار بيروت الدولي. وتمت هذه العملية بعد أن استكملت الولايات المتحدة تسليم الطائرات الهجومية الخفيفة إلى القوات المسلحة اللبنانية في حزيران، وقبل أن يقوم وفد رفيع المستوى من القيادة المركزية الأميركية بزيارة لبنان في منتصف آب الماضي.
ورغم الدور التي تقوم به القوات المسلحة اللبنانية باعتبارها “المدافع عن حدود لبنان” لحماية البلد من التواطؤ الخارجي إلا أن إيران تسلل إليه مرة أخرى عبر حزب الله، أحد أبرز أدواتها بالمنطقة. ورغم أن السياسة الأميركية في لبنان تقوم بدافع تعزيز “مؤسسات الدولة” اللبنانية، إلا أنها لم تردع بصفة فعلية الخطر الإيراني عنها.
ويشير الكاتب طوني بدران في تقريره على موقع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أن إنفاق واشنطن مئات الملايين من الدولارات على القوات المسلحة اللبنانية، هدفه تمكين “مؤسسات الدولة” في لبنان من “توسيع سلطة الحكومة” على كامل الدولة.
كان المنطق وراء ذلك في السنوات السابقة هو الاعتقاد بأن قدرة حزب الله على جلب شحنات الأسلحة يعود جزئيا إلى عدم قدرة القوات المسلحة اللبنانية على نشر قواتها على طول الحدود الشرقية للبنان مع سوريا. وكان مفتاح حل مشكلة حزب الله، وفقا لهذا النمط من التفكير، هو مساعدة الدولة اللبنانية على فرض سيطرتها على كل أراضيها.
ويتضح هذا التعليل في التقارير التي أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية حول الإرهاب، والتي صنفت لبنان على أنه “ملاذ آمن للإرهاب”. حيث حددت الحكومة الأميركية الدول الجاذبة للإرهاب على أساس أنها مناطق غير خاضعة للحكم المحكم أو أنها خاضعة لسيطرة سيئة من قبل الحكومة، ما يسمح غيابها للإرهابيين بالتنقل بحرية بين حدودها. وبالتالي، في تقرير 2015 و2016، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الحكومة اللبنانية “لم تكن تملك السيطرة الكاملة على جميع مناطق البلاد، أو أنها لم تكن تملك السيطرة بشكل كامل على حدودها مع سوريا وإسرائيل”.
ويشير بدران إلى أن القضية المطروحة حاليا ليست منطقة حدودية بعيدة تفتقر إلى سلطة الحكومة، خاصة وأن القوات المسلحة اللبنانية قد تم نشرها في الجنوب منذ عام 2006، وفي السنوات الأخيرة أكملت نشرها على الحدود الشرقية مع سوريا. إذ لم يستطع أي من هذه الإجراءات أن يقوض حرية تصرف حزب الله.
ويقصد بدران المطار الدولي الوحيد في لبنان، ورغم تواجد “السلطة الحكومية” باستمرار -ممثلة من قبل الجيش اللبناني ووكالات أمنية أخرى- وبشكل كامل، إلا أن الحزب بدعم من النظام الإيراني الذي يواليه، نجح في اختراقه.
وحسب بدران تتطلب هذه الحقيقة إعادة النظر في مدى صحة تصنيف لبنان على أنها “الملاذ الآمن للإرهاب”. لأن القضية هنا ليست قضية سلطة حكومية غائبة أو افتقار إلى القدرة. ويستحضر تعريف وزارة الخارجية الأميركية لـ”الملاذ الآمن للإرهاب” الذي يتطلب أيضا عامل “الإرادة السياسية”، والذي يبرز كذلك عدم كفاءة التصنيف بالنسبة إلى لبنان.
ويعتمد تصنيف “الملاذ الآمن للإرهاب” على الفرضية الأساسية التي مفادها أن هناك انقساما واضحا بين “الحكومة” و”الجماعة الإرهابية”. ولكن في حالة لبنان، فإن هذا الانقسام غير صحيح. ليس الأمر فقط بسبب أن الحكومة اللبنانية لم تعترف أبدا بحزب الله كمنظمة إرهابية، بل أيضا لأن نفوذ حزب الله بالبلد جعل منه الحكومة اللبنانية نفسها.
ولهذا السبب، فإن داعمي سياسة الولايات المتحدة الحالية بشأن تقديم المساعدة إلى الجيش اللبناني، بدءا من السفير الأميركي في لبنان وحتى المؤسسات الفكرية في واشنطن، يؤكدون دائما على جانب بناء القدرات في المساعدات. لكن حقيقة أن حزب الله هو القوة المهيمنة في السياسة اللبنانية والبرلمان والحكومة لا تجعل بناء القدرات نقطة جدلية فحسب، بل تعني أيضا أن العامل الثاني الأكثر أهمية، وهو “الإرادة السياسية”، يصعب تحقيقه.
وكان من المتوقع أن يقدم وزير الدفاع الأميركي، بالتنسيق مع وزير الخارجية، تقريره، في موعد أقصاه 1 سبتمبر من العام الجاري، بشأن المساعدات الأميركية للقوات المسلحة اللبنانية لكن وقع تأجيله. ويعتقد بدران أن التقرير يجب أن يتضمن “أوصافا للنطاقات والاتجاهات التي تتبناها القوات المسلحة اللبنانية، وكذلك أنشطة لمعالجة التقدم نحو نزع سلاح حزب الله، وحركة وإنشاء الأسلحة والموظفين والبنية التحتية الإيرانية أو حزب الله في لبنان”. ومن المرجح أن يشمل التقرير “تقييما للعسكريين والسياسيين والاقتصاديين، وكذلك العوامل التي تؤثر على قدرة الجيش اللبناني” في تطبيق هذه الشروط.
ويخلص بدران إلى أن السبب الذي يجعل حزب الله لا يزال قادرا على إرسال الطائرات الإيرانية المحملة بالأسلحة مباشرة إلى مطار بيروت لا علاقة له بغياب سلطة الدولة، أو عدم قدرة الجيش اللبناني بل يرتبط أساسا بالدور التخريبي الذي تتبناه طهران بالمنطقة.