كتب علي نون في صحيفة “الجمهورية”:
معه حق الرئيس الشيخ حسن روحاني في “اكتشافه” أن إيران تتعرّض لـِ”حرب اقتصادية ونفسية ودعائية” من قبل “مجموعة جديدة في البيت الأبيض”.
وأكثر من ذلك، معه حق في توصيف الموقف الأميركي: ضغط من جهة ودعوات إلى التفاوض من جهة ثانية.
وهذا في الشكل صحيح وواضح (؟) لكنه لا يحجب المضمون المغيّب في كلام رئيس إيران، لا في الأسباب التي أوصلت إلى هذه الوضعية الصعبة والحرجة والخطيرة، ولا في النتائج.. باعتبار، أن الرئيس دونالد ترامب “شفّاف” و”واضح” ويمكن اتهامه بأي شيء سوى بكونه خبيث أو صاحب مواقف مزدوجة.. أي أنه منذ ما قبل وصوله إلى البيت الأبيض، كان يقول إنه سيلغي الاتفاق النووي “السيّء” مع إيران من أجل استبداله بواحد جيد. وهذا في رأيه (الصحيح بالمناسبة) يجب أن يكون شاملاً وليس مجتزأ ولا مُقتصراً على جزئية الملف النووي. ويجب أن يطال “كل سلوك” الإدارة الإيرانية وليس شأناً وحداً فقط! باعتبار أن “المشكلة” تطال منهجاً متكاملاً يكاد أن يكون وحيد عصره في الزمان الراهن، ويقوم على التدخل السافر في شؤون الغير وأحوالهم وأنظمتهم وقيمهم سعياً إلى بناء ريادة قطبية كبرى ومدّعاة!
ومنذ اللحظة الأولى لإلغائه الالتزام الأميركي بذلك الاتفاق، أعلن ترامب أنه “يريد التفاوض” على البديل المنافس. وليس القتال ولا الحرب! وأن هدفه المُعلن و”الشفاف” هو تغيير سلوك إيران وليس تغيير نظامها! أي أن قول روحاني عن ازدواجية في موقف واشنطن ليس دقيقاً! ولا حصيفاً! ولا يعبّر عن “مضمون” الموضوع المفتوح على وسعه.. بل يمكن “تفهّم” موقف الشيخ الرئيس في طهران من زاوية الاستمرار في “بيع” الإيرانيين الناقمين والغاضبين من الظروف المعيشية التي وصلوا إليها، معنويات دعائية كبيرة، مطلوب منها تعويضهم “نفسياً” عن تلك الظروف الملموسة والحسية والمادية الكارثية!
وبعد ذلك أخطأ (عن قصد ربما؟) روحاني في استحضار الحرب مع العراق التي دامت ثماني سنوات وكلفت أثماناً فلكية بشرياً ومادياً، لإسقاطها على “الحرب” الراهنة والخروج باستنتاج حاسم “موحّد” هو “عدم التراجع (…) أو الانحناء”.. باعتبار أن نتيجة تلك المذبحة، لم تكن سوى هزيمة تامة لإيران في “موضعها الجغرافي والتاريخي! وهي اضطرت في كل حال، إلى “تجرّع كأس السم” والموافقة على وقف القتال، والعودة إلى المربّع الأول من دون تحقيق أي هدف انتصاري ضد “العدو” العراقي. لا على الأرض. ولا على مستوى تغيير النظام في بغداد.
والمفارقة العجيبة هي أن طهران آنذاك كانت قادرة في محطات كثيرة من تلك الحرب، على الوصول إلى تفادي شرب السم والاقرار بالهزيمة! بل كان يمكنها ادعاء شيء من “الانتصار”، أكان لجهة موافقة الرئيس الراحل صدّام حسين على العودة إلى اتفاق الجزائر الذي كان مزّقه عشية الحرب، والذي كان يتضمن مكاسب لإيران (الشاه) على حساب العراق، أو لجهة التعويضات المادّية الطائلة التي عُرضت عليها لإقناعها بوقف القتال! عدا عن ذلك، والأهم منه ربما، هو أن لائحة الخسائر البشرية والمادية التي أصابت الطرفين كان يمكن لها أن لا تطول أكثر فأكثر وخصوصاً في أرقام ضحاياها!
في صفوة كلام الشيخ روحاني أن طهران مثلما “لم تتراجع وتنحني” أمام العراق بالأمس، فهي اليوم لن “تتراجع ولن تنحني” أمام “ضغط مجموعة جديدة في البيت الأبيض”! لكن الغريب في الأمر، أن قائل هذا الكلام هو (والله أعلم) أول المشككين فيه! تبعاً لاعتباره أكثر واقعية من أخصامه المحافظين! ثم تبعاً لكونه أول المتضرّرين (بصفته العامة كرمز للإصلاحيين) من المكابرة على الواقع المالي والاقتصادي والسياسي والإقليمي والدولي، والاستمرار في انتهاج سياسة نطح الحائط، الأميركي وغير الأميركي!
بل أكثر من ذلك.. يميل الافتراض إلى أن روحاني يستحضر الحرب مع العراق في سياق تعبوي لكنه في واقع الأمر يحاول “تذكير” صاحب الشأن والقرار في طهران بكارثية التوقيت الغلط للقرار الصح! ويدعو مواربة إلى تجنّب تكرار تجرّع تلك الكأس، طالما أن الامكانية لذلك لا تزال متاحة!