سيكون اللبنانيون بدءاً من الثلثاء على موعد مع وقائع مثيرة من المرحلة الثالثة من مراحل محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اذ تشهد قاعة غرفة الدرجة الأولى في المحكمة، في لايدسندام في ضواحي لاهاي، الفرصة الأخيرة المتاحة أمام كل من الادعاء وفريق الدفاع عن المتهمين بالتورط في القضية، إضافة إلى وكلاء المتضررين من جريمة 14 شباط 2005، كي يدافعوا عن وجهة نظرهم وعن الأدلة والقرائن التي قدمها كل منهم، لإقناع المحكمة بالخلاصة التي توصل إليها.
وقالت الناطقة باسم المحكمة وجد رمضان لـ «الحياة» إن الجلسات التي دعا إليها رئيس الغرفة القاضي ديفيد راي ستخصص لمرافعات الفرقاء الثلاثة النهائية، والتي سيحاولون من خلالها تثبيت ما سبق أن عرضوه خلال السنوات الأربع الماضية في الجلسات التي عقدت. الادعاء سيسعى إلى تأكيد متانة الأدلة التي قدمها ضد المتهمين الأربعة المنتمين إلى «حزب الله» (سليم جميل عياش، حسن حبيب مرعي، حسين حسن عنيسي وأسد حسين صبرا) وأنها لا يرقى إليها الشك المعقول، ومحامو الدفاع الذين عينهم مكتب الدفاع في المحكمة، سيذكّرون في مرافعاتهم بحججهم المشككة بأدلة مكتب المدعي العام وبالقرائن التي عرضها خلال سنوات المحاكمة السابقة، لا سيما دليل الاتصالات الخليوية الذي استند اليه الادعاء ليبرهن أنهم راقبوا الحريري وتنقلاته، وأنهم تواجدوا في منطقة مسرح الجريمة عند وقوعها وأنهم لفقوا ما اعتبره «الإعلان الكاذب» بتبني أحمد أبوعدس لها عبر شريط مسجل (خصوصا عنيسي وصبرا).
وكانت المحكمة ألغت المحاكمة عن القيادي في «حزب الله» مصطفى بدر الدين بعدما كان من بين 5 متهمين في القرار الاتهامي، إثر مقتله في سوريا، لكن اسمه بقي يتردد في وقائع المحاكمة وبعض الشهادات كواحد من المخططين لمراقبة الحريري ثم تنفيذ العملية. اما وكلاء المتضررين فسيطرحون مدى الأذى الذي لحق بهم جراء الجريمة نتيجة فقدانهم أحبة وأقارب أو إصابتهم بسبب الانفجار الذي استهدف موكب الحريري آنذاك وأدى إلى سقوط ٢١ ضحية أخرى بينهم عدد من المرافقين الشخصيين لرئيس الحكومة السابق.
وأهمية هذه المرافعات، أن الأطراف الثلاثة، وخصوصاً الادعاء والدفاع، سيستخدمون أفضل وسائل الإقناع التي لديهم لإقناع قضاة الغرفة الخمسة بالاستنتاجات التي توصلوا إليها، كي يأتي الحكم الذي سيصدر عنهم، بإدانة المتهمين بالنسبة الى الادعاء، أو بتبرئتهم بالنسبة إلى محامي الدفاع.
وينتظر أن تستغرق المرافعات بين 10 و15 يوماً، تعلن في نهايتها غرفة الدرجة الأولى اختتام جلسات المحاكمة، لينعزل قضاتها من أجل المذاكرة التي تأخذ وقتاً طويلاً تمهيداً لإصدار الحكم في القضية، فإذا وجدت أن المتهمين أو بعضهم مذنبون صدر قرار بإدانتهم، ثم حددت العقوبة في حق من اعتبره الحكم مذنباً. وفي تقدير مصدر في المحكمة تحدثت إليه «الحياة» أن المذاكرة بين القضاة الخمسة قد تمتد إلى ما بعد نهاية العام الحالي فلا يصدر الحكم الا عام ٢٠١٩، لأن عليهم مراجعة آلاف الصفحات والوثائق قبل إصدار حكمهم.
وكان بعض السياسيين اللبنانيين ومنهم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، وقعوا في فخ الأخبار المغلوطة كما وصفها مصدر حقوقي معني بعمل المحكمة الدولية، عن أن المحكمة ستصدر حكماً بالقضية الشهر الجاري يدين المتهمين الأربعة الذين ينتمون إلى الحزب بالتورط في الجريمة.
وعلى رغم أنه ليس منتظراً صدور حكم خلال الجلسات التي ستعقدها غرفة الدرجة الأولى بدءاً من غد الثلثاء، فإن بعض التحليلات والكتابات الصحافية أخذ يربط بين تأخر تأليف الحكومة اللبنانية وبين توقع صدور حكم عن المحكمة، فالتبس الأمر على بعض السياسيين وأخذوا يعلقون على الأمر، وأعلن نصر الله ما يشبه التحذير لهؤلاء السياسيين بإطلاقه عبارة «لا تلعبوا بالنار»، في وقت كانت المحكمة نفت (ونشرت «الحياة» النفي) أن تكون الجلسات التي ستعقد هذا الشهر ستنتهي بإصدار الحكم على المتهمين الأربعة.
ويكرر مصدر في المحكمة لـ «الحياة» أن غرفة الدرجة الأولى كانت طلبت من الادعاء والدفاع ووكلاء المتضررين، التقدم بمذكرات خطية ختامية تلخص مضمون مرافعاتهم السابقة والأدلة، كي تستند اليها أثناء المرافعات النهائية، ثم أثناء المذاكرة التي سيجريها قضاتها الخمسة مع الانتقال الى المرحلة الرابعة من عملها، أي إصدار الحكم.
وتقع مذكرة الادعاء في زهاء 389 صفحة، تروي ما جمعه التحقيق عن الجريمة وتعرض الخلفية والدوافع السياسية للجريمة ومنها التهديد الشهير من الرئيس السوري بشار الأسد للحريري، وتنتهي بالطلب من غرفة الدرجة الأولى أن تعتبر المتهمين مذنبين وفق التهم الموجهة إليهم في القرار الاتهامي واستناداً إلى الأدلة المقدمة من المدعي العام، إضافة إلى مئات الصفحات من الملاحق. ويطلب الادعاء النظر إلى الأدلة بشموليتها وليس في شكل مجتزأ.
أما مذكرات الدفاع عن كل من المتهمين الأربعة فتقع بدورها في مئات الصفحات، وعدد كبير من الملاحق التي تتضمن أدلة ووقائع لتبرر طلب المحامين إصدار حكم ببراءة كل منهم. والأمر ذاته بالنسبة إلى مذكرات وكلاء المتضررين. ويحق لكل فريق الرد على مذكرة الآخر.
يذكر أن المذكرات الثلاث باتت في متناول الرأي العام بدءاً من تموز (يوليو) الماضي على الموقع الإلكتروني للمحكمة. ولوحظ أن مذكرة الادعاء تضمنت فراغات عند سردها للاتصالات الخليوية لبعض المتهمين، بأشخاص آخرين أو بأرقام أخرى.
وتلخص رمضان حاجة القضاة الخمسة إلى الكثير من الوقت من أجل الانصراف إلى المذاكرة قبل إصدار الحكم بالقول إن «غرفة الدرجة الأولى قد ترى ضرورياً مراجعة وقائع وردت في آلاف الصفحات من مجمل القرائن والأدلة التي قدمها الفرقاء الثلاثة ويبلغ عددها 3128 قرينة، من بينها شبكات الاتصالات التي استخدمها المتهمون، إضافة إلى نصوص إفادات ٣٠٧ شهود تم استدعاءهم من الادعاء والدفاع (الذي شكك بأدلة الادعاء) ووكلاء المتضررين، من أجل التأكد مما إذا كانت تنطبق على مبدأ أنها «فوق الشك المعقول» وللتأكد من أن الشكوك التي وضعها الدفاع يمكن الأخذ بها أو لا.
وتضيف رمضان: «بعد كل ذلك تنتقل القضية إلى المرحلة الرابعة التي هي النطق بالحكم في جلسة علنية تليها جلسة ثانية علنية أيضاً، تتحدد فيها العقوبة لكل من المتهمين إذا وجدت أنهم مذنبون». وتشير إلى «أن هذه المرحلة تشمل مهلة الـ30 يوماً أمام الدفاع لاستئناف الحكم أمام غرفة الدرجة الثانية مباشرة من دون المرور بقاضي الإجراءات التمهيدية. لكن في هذا الوقت تكون المحكمة طلبت من السلطات اللبنانية أن تجلب الأشخاص الذين تكون اعتبرتهم مدانين بالتورط بالجريمة. وهي المرحلة الخامسة. وتشير رمضان إلى أن غرفة الاستئناف (الدرجة الثانية) تنظر بطلب إعادة النظر بالحكم إذا جرى تقديم طلب بذلك من زاوية وجود خطأ قانوني محتمل ينسف قرار الحكم، أو من زاوية وجود خطأ في الوقائع يمس بعدالة الحكم والعقوبة، لكنها لا تراجع الأدلة».
وفي وقت أخذ بعض الذين يتناقلون أخبار المحكمة يتحدث عن أن الملخص النهائي يذكر اسم نصر الله ومسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، فإن مراجعة النص النهائي هذا تشير إلى ذكر اسم نصر الله في أكثر من حالة: الأولى حين يذكر الادعاء أن نصر الله أعلن أن المتهمين الأربعة هم «أخوة في المقاومة». وهذا قاله الأمين العام للحزب في خطاب علني، والادعاء يقتبسه كبرهان على انتماء المتهمين الأربعة الحزبي. والثانية حين يذكر في معرض عرضه لوقائع مراقبة تحركات الحريري بالاستناد إلى دليل الاتصالات الخليوية، تزايد المراقبة عند اجتماع الرئيس الحريري مع نصر الله عام 2004، في منطقة حارة حريك، من قبل المتهم سليم عياش من باب الدلالة على أنه كان على علم بالاجتماع على رغم سريته. كما يشير الادعاء إلى نصر الله في الفقرات التي تتناول الصفة القيادية لبدر الدين في الحزب وإلى إشادته به بعد إعلان مقتله في سوريا عام 2016.
كما أن الملخص النهائي (المذكرة) يذكر اسم صفا في معرض الحديث عن مقتل مصطفى بدر الدين في سورية، بأنه كان من بين القياديين الذين شاركوا في تقبل التعازي ببدر الدين الذي وصفه بـ «القائد العسكري» للحزب. ويذكر غيره من الحزب أيضاً. كما يشير الملخص إلى اتصالات مسؤول جهاز الأمن والاستطلاع السوري رستم غزالة بصفا وتردده على منطقة حارة حريك، بعد تفاقم خلافات الجانب السوري مع الحريري.
وكان الممثلون القانونيون للمتضررين طالبوا في مذكرتهم المحكمة بأن يُسجل في الحكم أن المتضررين المشاركين هم، فرادى ومجتمعين، ضحايا الانفجار الذي وقع في 14 شباط 2005، بصرف النظر عن الاستنتاجات المتعلقة بالأفراد المتهمين، وأن يُسجل فيه أيضاً مدى معاناتهم، لكي يتمكنوا من المطالبة بتعويضات أمام المحاكم المحلية. والتمسوا أيضاً من غرفة الدرجة الأولى أن توصي بأن تنشئ الحكومة اللبنانية صندوقاً للمتضررين، وأن عدداً من المتضررين شعروا بأن الاعتذار سيكون مفيداً.