Site icon IMLebanon

من البصرة إلى إدلب: برّا… برّا!

كتب اسعد حيدر في “المستقبل”:

ما الذي يجمع بين 11 أيلول 2001، والبصرة وإدلب؟

بالمبدأ لا شيء. في الواقع والوقائع الكثير من النقاط المُشتركة والنتائج الدامية.

في 11 أيلول 2001، وقعت جريمة الاعتداء الإرهابي على نيويورك ليبدأ عالم جديد كل شيء فيه مُعمّد بالدماء. رغم الفراق الجغرافي والزمني ما زالت الأحداث متصلة وكأنها تحدث لتصوغ عالماً آخر لم يتشكل نهائياً. الولايات المتحدة الأميركية، أرادت الانتقام وإلحاق الهزيمة بالذين أصابوها في قلبها، كما حصل في بيرل هاربر. في اليابان ثأرت بعد أن استعملت القنبلة النووية. في الثانية «حرب الظلال»، ما زالت مستمرة من دون حسم. الأخطر أنها فتحت الأبواب على «جهنم» الإرهاب. كان العالم يعيش على وقع إرهاب «القاعدة»، أصبح يعيش على وقع حروب يبدو فيه إرهاب «القاعدة»، مجرد تمرين دموي صغير لما حدث منذ ذلك اليوم الأسود.

البصرة، بدأت الكارثة منذ اعتبرت واشنطن أن «الثأر» يمكن أن يتحقق في غزو العراق وإسقاط صدّام حسين. الخلل وقع، مع تدمير الهيكل وتركه أرضاً مكشوفة لكل «الذئاب». كان يجب أن يسقط صدّام حسين، رغم عدم مسؤوليته عن 11 أيلول. لكن ما حصل هو التخلي عن الشعب العراقي وكأنّه المذنب لأنه «أنجب» صدّام حسين. رغم أنه عانى منه كثيراً، وبسببه أكثر. لم يهتم الأميركيون بوقائع الجغرافيا والتاريخ، فأنتجوا عراقاً مفتوحاً على كل شيء سوى الاستقرار والبناء.

كانت البصرة، «بوابة» الجنوب العراقي. أثناء الحرب مع إيران، رفضت أن تنحاز إلى مذهبيتها مثل معظم الشيعة العراقيين. وقفت صامدة في وجه الإيرانيين ولم تستسلم، ليس حباً بصدّام حسين ولا كرهاً للإيرانيين وإنما التزاماً بالوطن العراقي، وبعراقيّتهم المزروعة في عقولهم وقلوبهم. وبدلاً من أن تأخذ البصرة التعويض عن خسائرها أثناء الصمود وقعت ضحية لعملية أقل ما يُقال فيها الثأر والتدمير.

كان باستطاعة إيران بعد أن دخلت العراق من الجنوب العراقي، وبعد أن أسقط الأميركيون صدّام حسين، أن يحوّلوا هذا الجنوب إلى «بوابة خضراء» لأخوة تاريخية تتجاوز الثأر والإلغاء. ما حصل بعد أن احتل الأميركيون العراق تحت شعار تحريره من صدّام حسين، عرّوا العراق وسلّموه لُقمة سائغة للإيرانيين. الأميركيون نهبوا العراق. والإيرانيون عمدوا إلى تفكيك بنيته الجغرافية والاجتماعية بحيث يصبح العراق أرضاً محروقة، وشعباً مفككاً مليئاً بالأمراض المذهبية والكثير من الخرافات، حتى أن العراق الذي كان يتقدم على كل دول المنطقة بالتعليم والعلم، عاد عقوداً عديدة إلى الوراء. فرض الأميركيون على العراقيين حصاراً منع فيه عليهم أقلام الرصاص خوفاً من أن تتحول إلى سلاح بيدهم. وحرموا من الاستشفاء والأدوية، فماتوا بالآلاف. وجاء الإيرانيون فشاركوا في شفط النفط مع السارقين من عملائهم وحرموه من مليارات إعادة البناء والتنمية، حتى وصل الأمر إلى أن يتسمّم 30 ألف عراقي في البصرة بالمياه الملوّثة. جفّف الإيرانيون الأنهار التي تخترق الجنوب، فأساءوا إلى العراق وإلى أنفسهم، إلى درجة أن عواصف الغبار القاتلة أصبحت متواصلة بدلاً من أن تكون حدثاً استثنائياً. كارثة البصرة ليست يتيمة، فقد أصابت مدناً غيرها.

انتفاضة البصرة، ليست عابرة. قد تتوقف وقد يجري اغتيال بعض الناشطين فيها. لكن الأهم أن شيئاً ما قد ولّد على أرض العراق وهو أن العراق للعراقيين. لا الجنرال قاسم سليماني، ولا بريت ماكغورك وقبلهما بول بريمر، سيستمرّون في حكم العراق أو صياغته على مقاسهم. العراق للعراقيين.

البداية في هذا التحوّل، في تشكيل حكومة رئيسها مدين للعراقيين وليس أسيراً للإيرانيين ولا الأميركيين. قد يبدو هذا صعباً حالياً لكنه لاحقاً ليس مستحيلاً. المهم أن تتمدّد روح البصرة إلى أرجاء العراق، وأن يؤمن كل الشيعة أن خلاصهم من خلاص العراق. وأن يدرك الأكراد، أن العراق يحميهم إذا حَموه. وأنهم مهما قدّمت لهم الوعود، فإنها في لحظة معيّنة تتحوّل إلى «سكين» في ظهرهم. لقد حصل ذلك مراراً وتكراراً ولم يتعلموا، عسى الآن أن يكونوا قد حفظوا «الدرس». في أساس ذلك أنهم وإن كانوا يستحقون «وطناً»، إلا أن الجغرافيا قطعت أوصالهم، وأن حليفهم اليوم عدوّهم غداً خصوصاً إذا تضاربت جغرافيته القائمة بجغرافيتهم الطموحة.

أما إدلب، التي تقف الآن على شفير تحوّلها إلى أكبر كارثة إنسانية قبل أن تكون سياسية، فإن «القتلة» عديدون. لا أحد بريء من دماء السوريين. الجميع شركاء في الجريمة. أما في إدلب، فإن «السكّين» الروسية – الإيرانية تبقى في المقدمة. «القيصر» بوتين يريد الانتهاء من إدلب ليتفرّغ لهمومه في أوكرانيا وفي مواجهة المقاطعة الأميركية – الأوروبية. لا يهم بوتين عدد القتلى، بالنسبة له ما يحدث ليس أكبر ولا أصغر مما حصل في الشيشان. المهم أن يحقّق الفوز ويتقدم سريعاً في مسار الثنائية الدولية مع الولايات المتحدة قبل أن تصبح الصين منافساً من الصعب مواجهته.

أما «الوليّ الفقيه» آية الله علي خامنئي، فإنه يريد وضع يده على سوريا عبر بشار الأسد وباسم المقاومة ودعم المقاومة. لم يعد يهمّ «الوليّ الفقيه» الخسائر في الإنسان والحجر، المهم الفوز وتنفيذ استراتيجيته في الدفاع عن إيران بعيداً عن حدود إيران.

سقوط إدلب لن يكون نهاية للحرب في سوريا. سوريا أصبحت منذ سنوات أرضاً مفتوحة لتناسل الحروب. ولا شك أنه ستكون لسوريا «بصرة» يهتف فيها المتظاهرون: «سوريا للسوريين. برّا برّا»!