IMLebanon

حرب: لتنفيذ “الطائف” قبل البحث في تعديله

سارع المعنيون بمسار مفاوضات التأليف إلى تطويق ذيول الاشتباك الخطير الذي شهدته المنابر والمنصات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي حول صلاحيات رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، في مواجهة تتأتى أهميتها من كونها وضعت ركني التسوية الرئاسية وجها لوجه لأول مرة منذ انطلاق عهد الرئيس ميشال عون. على أن هذه المحاولة لمعالجة سريعة لم تؤد إلى تشكيل الحكومة، بعد رفض الصيغة التي أودعها الرئيس المكلف سعد الحريري في بعبدا، بدليل أن الجميع متمترسون خلف مواقفهم المعروفة، وهو انطباع أكدته كلمة رئيس حزب “القوات” سمير جعجع، في قداس معراب الأحد الفائت. صورة يفسرها عالمون بالخبايا اللبنانية تأكيدا أن سجال الصلاحيات الأخير سياسي بامتياز، علما أن البعض يضيف إلى هذا المشهد حسابات رئاسية بادر إليها بعض الطامحين باكرا.

وفي السياق، اعتبر النائب السابق بطرس حرب، في حديث لـ”المركزية”، أن “الموضوع لم يعد قضية تأليف حكومة، وتشكيل فريق وزاري يمكن أن يتفق أعضاؤه على برنامج لحل مشكلات البلد. كل ما في الأمر أن هناك تسابقا وتنافسا على أخذ الحصة الأكبر في الدولة بحيث أننا لم نعد نسمع أي طرف يقول إن لديه مشروعا أو تصورا لحل أزمات البلد ويريد دخول الحكومة لتقديمه والعمل لمصلحة البلد. ما نسمعه أنهم يرفضون الدخول في الحكومة ويعطلونها إن لم يحصلوا على حصص معينة من المقاعد ووزارات الخدمات ليأخذوا من الدولة المكاسب التي تؤهلهم، في مرحلة لاحقة، للسيطرة على السلطة، لذلك فإن القضية ليست دستورية”.

وذكّر حرب بأن “بعد التجربة المرة التي عشناها، أكان على مستوى تأليف الحكومات التي كانت تتأخر شهورا طويلة لفرض شروط معينة كتوزير أحد ونيل وزارة محددة (ولو ألحق هذا الأمر ضررا بمصالح البلد والناس)، أو في ما يخص تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لسنتين ونصف السنة لفرض انتخاب مرشح معين، ولو كان هذا التأخير مضرا، ونتيجة هذه الممارسات ونجاحها، أصبح التعطيل جزءا من العملية السياسية بدلا من أن يكون التسهيل هو الوسيلة. وهذا ما شجع الأطراف الحاليين، كل من موقعه، على اعتماد هذا الأسلوب الجديد في التعطيل وممارسة الابتزاز السياسي بغية تحقيق أهداف معينة لهذا الطرف أو ذاك، وهو ما يبشر بأن سلسلة التعطيل لا تزال في بداياتها، وسيكون المستقبل شاهدا على تعطيل كل استحقاق، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية بسبب إدخال سلاح التعطيل إلى الحياة السياسية”.

وفي ما يخص سجال الصلاحيات، أعرب عن أسفه لأن “بعض المسؤولين يستخدمون أسلوبا استفزازيا في التخاطب يوتر البلد، مستندين إلى مزاعم حول ممارسة صلاحيات، من هذا الموقع أو ذاك، بغية المحافظة على حقوق الفئات الشعبية التي يمثلون. وهم بذلك، من دون أن يدروا، يوترون البلد ويعيدونها إلى الأجواء التي سادت قبل اندلاع الحرب، من دون أن يكون لمعظم هؤلاء أي خبرة في هذا المجال، أو من دون أن يكون بعضهم قد عاش تجربة الاقتتال الداخلي حول الصلاحيات والمشاركة في السلطة، وتاليا حول الوحدة الوطنية، ما يجعلهم يتاجرون بالغرائز الطائفية، ويحولونها إلى سلاح قاتل للوحدة الوطنية ومعرّض للعيش المشترك والوحدة الوطنية”.

واعتبر أن اشتباك الصلاحيات “ردة فعل على طروحات صدرت عن فريق يجتهد في دراسة صلاحيات رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة، بشكل دفع بالفريق السني إلى التأكيد أن صلاحيات رئيس الحكومة لا تمس، وأن للصلاحيات الرئاسية حدودا. وكل هذا الجدل ليس دستوريا، بل سياسي وأنا أعتبر أن متابعة النقاش على هذا المستوى ستضرب الطائف وستعيد لبنان إلى جو ما قبل هذا الاتفاق، وهو خطأ كبير يرتب مسؤولية تاريخية على الأطراف التي تلعب هذه اللعبة”.

وعما إذا كانت ساعة مراجعة الطائف، في بعض بنوده قد دقت، لفت إلى “أننا كنا طالبنا بإدخال بعض التعديلات التي لا تمس الجوهر والمبادئ الأساسية للميثاق الوطني، بل قد تحسن ما تم الاتفاق عليه. ذلك أن ما يطرح اليوم يكمن في إعادة نظر كاملة، وإن كان هذا الكلام لا يقال علنا، وهو ما يقود البلد إلى الخطر”، معتبرا أن “لا يمكن إعادة النظر في اتفاق الطائف قبل تطبيقه، لنجلس إلى الطاولة لبحث الخلل والعلل وحلها بشكل وطني ودستوري وعلمي، لا على أساس المناورات السياسية لوضع اليد على البلد”.

وشدد على أن “الصراع على الحكومة، يتضمن بوضوح صراعا على رئاسة الجمهورية”، لافتا إلى أن “إذا كان العهد سيكمل مسيرته حتى نهايته، فإن الحكومة العتيدة لن تشرف على الانتخابات الرئاسية المقبلة لأن الحكومة تسقط مع بداية ولاية مجلس النواب، ومن المفترض أن تنتهي الولاية البرلمانية قبل انتهاء العهد. لكن يبدو أن بعض الأطراف، بمن فيهم أقرب المقربين إلى الرئيس، يجرون حساباتهم على أساس أن الولاية الرئاسية لن تبلغ نهايتها، ويتعاطون مع الحكومة الجديدة على أساس أنها ستحكم البلد حتى انتخاب الرئيس الجديد. والجميع يعلم أن مع دخول هذا العنصر إلى المشهد السياسي، فالاستحقاق الرئاسي لن يحصل بسهولة وقد يستغرق سنوات”.

وفي ما يخص مسار مفاوضات التأليف، اعتبر “أننا في مأزق، وإن لم يحترم كل الأطراف الأحجام التي أفرزتها الانتخابات، فلن تؤلف الحكومة. وفي مقابل ثبات “القوات” و”الاشتراكي” على موقفهما، على الفريق الآخر التنازل وإعطاؤهما الحجم المحق لهما لأن من دون ذلك لا تأليف، علما أن البعض قد يعتبرون أن من الأفضل ألا ترى الحكومة النور فيستمر النهج السائد اليوم”.