وسط انسداد أفق الوساطات والمرونة في المواقف في ما يتصل بالملف الحكومي، ارتفعت المواجهة السياسية والاعلامية على نحو ملحوظ في اليومين الاخيرين بين “تكتل لبنان القوي” من جهة والحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية من جهة أخرى، بعدما هدأت جبهة سجال الصلاحيات بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، راسمة سقوفاً تفاوضية صعبة يخشى ان تحوّل اطرافها أسرى اللارجوع عنها، وتبقي الحكومة ومصيرها في المجهول، كما مصير البلاد الذي يبدو موضوعا في ادنى سلم اهتمامات القوى السياسية المتناحرة.
فعلى رغم الاتفاق على هدنة اعلامية وتخفيض منسوب الخطاب السياسي وتعميم التهدئة حفاظا على الاستقرار السياسي والامني ليتسنى للمعنيين اثر عودة رئيس الجمهورية ميشال عون، بعدما عاد الرئيس المكلف سعد الحريري من الخارج، استئناف الاتصالات لتذليل العقبات لتشكيل الحكومة، بقيت المواجهة على أشدّها لا بل تصاعدت الى درجة الغليان، ما يؤشر الى انعدام افق الحل من الداخل، في ظل انكفاء القوى المؤثرة عادة عن الاضطلاع بدور الاطفائي، اما لعدم الرغبة، اذ ان عدم التشكيل راهنا قد يشكل مصلحة لها، او لعجزها في ظل تعنت بعض الاطراف وتمترسه خلف جدران الممانعة.
تبعا لهذا الواقع السوداوي الذي عكسه موقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري في لقاء الاربعاء النيابي ابدى فيه تشاؤمه ازاء الوضع الحكومي، وتجنبا لسقوط البلاد في الهاوية، تتحدث اوساط سياسية عن اتجاه فرنسي للدخول على خط الحل من بوابة الرعاية الفرنسية الدائمة للبنان التي كان آخرها في تشرين الثاني الفائت، ابان ازمة استقالة الرئيس الحريري من الرياض، حيث كان لباريس الدور الاساس في اعادة الامور الى نصابها وعودة الحريري عن الاستقالة بشروط وضمانات تمكنت ” الام الحنون” من تأمينها عبر شبكة اتصالات ثلاثية بين جدة وباريس وبيروت.
وفيما تردد ان موفدا فرنسيا قد يزور لبنان قريبا لبدء المهمة، نفت مصادر دبلوماسية غربية لـ”المركزية” ان تكون اي زيارة لموفد فرنسي لبيروت مدرجة على جدول اعمال “الكي دورسيه” في المدى المنظور، الا انها لم تسقط احتمال حصولها نظرا لحراجة الوضع، خصوصا ان الرهان على لقاء بين الرئيسين ميشال عون وايمانويل ماكرون على هامش اجتماع البرلمان الاوروبي في ستراسبورغ يبدو ساقطا، اذ ان الرجلين لم يلتقيا حتى الساعة، في حين ان فرنسا التي كانت وراء عقد المؤتمرات الدولية الثلاثة من اجل لبنان باتت نفسها في موقع الاحراج ازاء الدول التي شاركت فيها ومدت يد العون، ذلك ان التأخير المتمادي في تشكيل الحكومة التي تشكل حاجة ملحة لوضع مقررات المؤتمرات موضع التنفيذ، يعكس تخاذلا لبنانيا وقلة اهتمام بالمساعدات الدولية التي قد تذهب في اتجاه آخر اذا استمرت المماطلة على حالها.
وتعتبر المصادر ان مصداقية فرنسا الموضوعة على المحك تجاه دول الدعم، تحتم عليها التحرك لدفع اللبنانيين في اتجاه القفز فوق المطبات والخروج من ستاتيكو الجمود لتأليف الحكومة سريعا، اما عبر موفد ينقل رسالة للمسؤولين بوجوب التشكيل من دون التدخل مباشرة في العملية الدستورية، بل الاكتفاء بالمطالبة بحكومة وفاق وطني تلتزم سياسة النأي بالنفس واعلان بعبدا والمحافظة على الاستقرار وتطبيق مقررات مؤتمر سيدر وتنفيذ المشاريع. والا عبر تحرك خارجي لتعزيز التفاهم الاقليمي حول لبنان وتعويم التسوية الرئاسية، وهذان العنصران كفيلان بدفع الامور قدما وابصار الحكومة الحريرية الثالثة النور على غرار سابقاتها.