Site icon IMLebanon

المحكمة الخاصة: اتهام مباشر لـ”حزب الله”

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: يجمع المراقبون لأعمال المحكمة الدولية الخاصة بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري على أن المرحلة النهائية التي بدأت الثلاثاء تحمل الكثير من المفاجآت ومنذ ساعاتها الأولى.

وفيما توقع هؤلاء أن تستخدم المحكمة لغة مواربة غير مباشرة في التلميح إلى مسؤولية حزب الله عن الجريمة التي ارتكبت في بيروت في 14 شباط 2005، وفيما توقع كثيرون ألا يظهر ارتباط الحزب بتلك المؤامرة إلا في المراحل الأخيرة قبل النطق بالحكم، سارع الادعاء العام إلى اتهام حزب الله ومخابرات دمشق مباشرة بالوقوف وراء العملية محددا رؤيته للدوافع والأدوات.

وبدا أن ملف المدعي العام للمحكمة نورمان فاريل متين الحجة. خاطب المحكمة بثقة عالية مدافعا عن مسلّمة ارتباط المتهمين بقياداتهم في حزب الله. وقال إن “الغرفة لا تحتاج لمعرفة إذا كانوا يعملون بالنيابة عن أحد أو بأمر منه، ولا الادعاء يطلب ذلك”. ذلك أنه وفريق التحقيق متيقنون من أن المتهمين تحركوا بناء على أوامر واضحة المصدر.

ونورمان فاريل صاحب خبرة واسعة، فقد تولى إدارة أعمال الادعاء في قضايا جنائية كبرى. وهو متخصص في القانون الدولي الإنساني، والقانون الجنائي الدولي، ومحاكمة جرائم الحرب.

ويعتبر فاريل أن الحريري “كان يهدد الستاتيكو الذي يؤمنه الوجود السوري في لبنان، وأن المتهمين الذين ينتمون إلى حزب الله كانوا يسعون للمحافظة على الوضع القائم”. ويلحظ المراقبون أن في مطالعة فاريل ما يثبت أن المؤامرة تم التخطيط لها منذ وقت طويل، وأن نية الحزب لقتل الحريري تعود لسنوات. ويتفاجأ المراقبون بمعلومات وردت في المطالعة تعود إلى ظروف اللقاءات التي كانت تجمع رفيق الحريري بأمين عام حزب الله حسن نصرالله. فقد كان معروفا أن تلك اللقاءات يدبرها بشكل سري الصحافي الراحل مصطفى ناصر الذي كان يتحرك بصفته مستشارا للرئيس الحريري ويتمتع بعلاقات متينة مع الحزب وزعيمه.

ويقول المدعي العام “لم يكن الحريري ولا طاقمه ولا حتى مصطفى ناصر نفسه يعرف مكان اجتماعه بنصرالله. إلا أن المتهم سليم عياش ومجموعته كانوا يعرفون كل التفاصيل، وأن داتا الاتصالات أثبتت أنهم كانوا يتواجدون في مكان اللقاء قبل وصول الحريري وأثناء اللقاء وأنهم كانوا يلحقون به نحو منزله في منطقة قريطم في بيروت بعد المغادرة، وأن كل شيء كان تحت المراقبة”.

وتروي السطور الطويلة لمرافعة الادعاء تفاصيل كثيرة عن حركة المتهمين ونوعية أنشطتهم. وقد اعتمد الادعاء على داتا الاتصالات بكثافة. وكان النقيب وسام عيد من “شعبة المعلومات” التابع لقوى الأمن الداخلي قد اشتغل بشكل دقيق على داتا الاتصالات وكشف عن تورط حزب الله بعملية الاغتيال، واغتيل عيد في كانون الثاني 2008، فيما اغتيل اللواء وسام الحسن، رئيس “شعبة المعلومات” في تشرين الاول 2012، بما يدل على خطورة ما وصل إليه الرجلان وبات حجة في يد المحكمة الدولية. ويكشف الادعاء أنه في 28 ايلول من 2004، أي قبل أشهر على تنفيذ الجريمة، توجه رستم غزالة رئيس جهاز الأمن والاستطلاع للقوات السورية في لبنان، أي رجل الاستخبارات السورية الأول في لبنان، من مقره في عنجر في البقاع إلى منطقة حارة حريك المعروف أنها مركز قيادة حزب الله، بعد تبادل اتصالات بينه وبين وفيق صفا، رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب.

تقول المعلومات إن اجتماع الرجلين دام ساعة كاملة، غير أن أشياء أخرى حصلت بعد هذا الاجتماع. يكشف فاريل أنه بعد ساعات من ذلك الاجتماع، انضم المتهم سليم عياش إلى “الشبكة الخضراء” التي قادت اغتيال الحريري وهي تابعة تماماً لحزب الله.

يضيف فاريل أن اتصالات بدأت بين عياش ومصطفى بدرالدين الذي يتهمه المدعي العام بأنه العقل المدبر لاغتيال الحريري، ما يعني تسلمه مهمة التنسيق والارتباط بإمرة بدرالدين. ويذهب الادعاء إلى أن هذه الاتصالات المرصودة قد تكثفت بشكل لافت في 30 سبتمبر من عام 2004 وفي فجر الأول أكتوبر تاريخ محاولة اغتيال مروان حمادة.

دشنت محاولة اغتيال حمادة حقبة سوداء في تاريخ لبنان ومثلت الأعراض الأولى لسلسة اغتيالات بدأت لاحقا بتلك ضد رفيق الحريري بعد عدة أشهر.

كانت دمشق قلقة من حركة المعارضة ضدها في لبنان والتي تجسدت من خلال اجتماعات كانت تعقدها في فندق البريستول في بيروت. يقول فاريل إن الحريري عاد من الخارج في 20 ديسمبر بمواكبة اجتماع آخر للمعارضة عقد في البريستول. حاول الحريري ألا يكون ظاهرا بصورة هذا الحراك المعارض الذي ضم قيادات مسيحية وإسلامية وبرز فيه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. إلا أن نظام دمشق كان يعرف أن الحريري يدعم من الخلف حراك البريستول وأن شخصيات قريبة منه من بين المجتمعين.

يكشف المدعي العام أن الاتصالات تكثفت في ذلك الحين بين غزالة وصفا وأن الأول زار من جديد حارة حريك بعد اتصال مع وفيق صفا، تلى ذلك استئناف للاتصالات بين صفا وبدرالدين. يضيف فاريل أنه بعد ذلك أظهرت داتا الاتصالات تكثف نشاط “الشبكة الخضراء” لتسريع ترتيب المؤامرة سواء في شقها التنفيذي أو ذلك المتعلق بتدبير مسألة التبني الكاذب لعملية الاغتيال والتي ألصقت بشخص أحمد أبوعدس باعتباره عضوا في حركات تكفيرية. قبل ذلك ترصد التحقيقات عودة غزالة إلى حارة حريك في الضاحية، ومن هناك أجرى اتصالا بالقصر الرئاسي في دمشق. في هذا الوقت، وفق فاريل، وبعد انقطاع التواصل لثلاثة أسابيع، تكثفت الاتصالات بين وفيق صفا وبدرالدين.

قبل ذلك بيومين، يقول فاريل، رُصد اتصال بين حسين خليل، مساعد نصرالله ومستشاره السياسي، برستم غزالة ومن ثم بصفا، الذي اتصل بعدها فورا ببدرالدين، ثم اتصل صفا بخليل، وبعد ذلك بدقيقة اتصل صفا ببدرالدين. بدا للمحققين أن تنسيقا يجري بعناية لترتيب ما تم الاتفاق عليه. ويستنتج المراقبون أن هذه المعلومات تكشف أن قرار الاغتيال وعملية تدبيره كانا يجريان داخل الدائرة الضيقة المحيطة بنصرالله.

ويقول المدعي العام إنه في الفترة من 20 كانون الاول ولمدة خمسة أسابيع، تكثفت أنشطة “الشبكة الخضراء” وتكثفت أعمال مراقبة رفيق الحريري وتحضير الإعلان المزيف الذي يلصق الجريمة بأبوعدس.

تكشف التحقيقات وفق ما خلص إليه تقرير الادعاء العام أنه بعد اجتماع الحريري بغزالة في 9 كانون الاول 2004 أعطي الضوء الأخضر لعملية الاغتيال. ويقول المدعي العام في مطالعته إن البحث لشراء الشاحنة التي ستستخدم في العملية بدأ في 11 كانون الثاني ، فيما بدأ المتهم حسن مرعي العمل على المسألة المتعلقة بقصة أبوعدس.

يروي فاريل أنه في الحادية عشرة من ليل 13 شباط من عام 2005، أي قبل ساعات من تنفيذ الجريمة، اتصل وفيق صفا بمصطفى ببدرالدين مرتين، وبدوره في تلك الساعات كان بدرالدين على تواصل مع المتهم عياش.

ويذهب المدعي العام بعيدا في سرد تفاصيل تثبت بالدليل أن المتهمين كانوا يتحركون بناء على تعليمات قادة من حزب الله، وأن أمر المؤامرة كان بتنسيق كامل مع رجل المخابرات الأول في لبنان آنذاك رستم غزالة.