كتب عديد نصار في صحيفة “العرب” اللندنية:
كيف نظر اللبنانيون إلى انتفاضة البصرة؟ سؤال يجد الإجابة عليه في المواقف التي زخر بها الإعلام اللبناني ومواقع التواصل الاجتماعية التي تتفاعل مع أحداث المنطقة العربية على نفس الهَدْي ونفس الوتيرة.
فما قيل في انتفاضة البصرة العراقية سبق أن قيل في الثورة السورية في مختلف محطاتها. إقناع الذات لديهم بأن ما يدور في مختلف الأنحاء والأزمنة لا يعدو كونه مؤامرة لإسقاط محورهم “الممانع والمقاوم” بقيادة “صاحب الزمان” تُعدها أميركا وتمولها دول الخليج… والمدهش في مواقف اللبنانيين المُعبّرين عن تأييدهم لحزب الله، وبالطبع من ورائه نظام الولي الفقيه في طهران، أنها قادرة على إعطاء نفس التبريرات والتفسيرات لوقائع مختلفة أو متباينة، وقادرة على
والغريب أنهم لم يروا أن العراق الذي دمرته آلة الحرب الأميركية، وأكملت تدميره الميليشيات التابعة للولي الفقيه الإيراني، يقع اليوم ومنذ الغزو الأميركي تحت وصاية إيرانية وبموافقة أميركية. وهم يتعاموْن عن صولات وجولات قاسم سليماني قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني، وتدخلاته في كل شاردة وواردة، والتي تتفوق حتى على صولات وجولات الجنرالات الأميركان في العراق.
هذه المؤامرة المزعومة ليست إلا غلالة يستخدمونها للتعامي عن المآسي التي أوصلت إليها الشعب العراقي مجموعة من القوى السياسية والميليشياوية التي ترعاها إيران خدمة لتأمين سيطرتها على العراق، وبالتالي خدمة لإدامة النهب والسرقة التي تمارس عبر نفس القوى لموارد العراق وثروات أبنائه بمختلف الوسائل بما فيها التضليل الديني والتحريض والتخويف الطائفي. فمتى كانت الميليشيات المرتبطة بقاسم سليماني والعمائم التي يوظفها ويرعاها تقدم مصالح العراقيين في البصرة أو في سواها على مصالح النظام في طهران؟
وإذا كان الفساد المرعب الذي تمارسه الأحزاب الميليشياوية المرتبطة بطهران قد أوصل ما يفترض أنها من أغنى مدن العالم، البصرة، إلى حالة البؤس والشقاء وانعدام الخدمات التي هي فيها اليوم، فلِمَ العجب إن ثار أهلها في وجه نظام إيران نفسه وأحرقوا قنصليته فيها بعد أن قطع عنها الماء والكهرباء لتكتمل حلقة الدمار وانعدام إمكانية العيش فيها؟
تتصدر بعض الصحف ووسائل الإعلام اللبنانية الحملة على حراك البصرة، وتؤكد على المزاعم التي تربط هذا الحراك بمساع أميركية – سعودية لتقويض “محور المقاومة” من خلال فرض حيدر العبادي من جديد رئيسا لـ”حكومة عميلة”! حيث نشرت جريدة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر في 8 سبتمبر 2018 مقالة مطوّلة تحت عنوان “واشنطن والرياض للعراقيين: العبادي أو ‘خراب البصرة’ ” جاء فيها:
“هو حيدر العبادي. رئيس الحكومة الذي فشل في تأمين الحد الأدنى من موجبات تحسين ظروف عيش البلاد العائمة على ثروات، لا يخجل من ممارسة انتهازية قصوى، على حساب دماء شعبه، وهو المسؤول عن الأمن والاقتصاد والمالية… انتهازية تسمح له بتخيير أهله بين الفوضى والتبعية للمشروع الأميركي الذي دمّر العراق، وأطلق عفاريت الطائفية والاقتتال فيه… انتهازية تسمح له اليوم بتحويل نفسه مطية لواشنطن والرياض الراميتين إلى استغلال الاحتجاجات لتشكيل حكومة عميلة”. أليس “مدهشا” هذا العمق؟
بالتأكيد لا تحتل مثل هذه الصحف الصفراء أو الأبواق الإلكترونية التابعة لحزب الله سوى بعضا من المشهد. فالمؤيدون لحراك البصرة وحتى المراهنون عليه كثر ولا يقتصر على متفرجين ومصفقين. وهناك صفحات عديدة تحاول معرفة ما يجري على الأرض وتعمل على إسداء النصح للمتظاهرين. فمواجهة غول الفساد والتدمير والنهب الذي تديره إيران في البصرة، وفي العراق عموما، هي مواجهة له في مجمل المنطقة. ولذلك نجد حرصا كبيرا على حماية هذا الحراك، لا بل إن هناك دعوات إلى تعميمه ليشمل كل العراق وخصوصا بغداد لدعمه وإنجاحه ما أمكن.
وهنا، لا رهان بالتأكيد على موقف أميركي ولا على مواقف أي من قوى السلطة في الإقليم أو حتى في العراق نفسه، بل الرهان كل الرهان على قدرة ووعي أبناء البصرة وعلى التلاحم الذي ينبغي على العراقيين جميعا أن يبدوه معهم حتى لا تنطفئ شعلة الانتفاضة البصرية قبل أن تؤتي ثمارها التي تنتظرها شعوب المنطقة وفي مقدمتهم العراقيون ومنهم بالتأكيد اللبنانيون الذين تسحقهم المعاناة يوميا أكثر فأكثر.