كتب عصام نعمة إسماعيل في صحيفة “الأخبار”:
إن تشكيل الحكومة وإن كان مهمة الرئيس المكلف إلا أن الدستور فرض عليه التوافق مع رئيس الجمهورية وإجراء استشارات نيابية، بحيث أصبح تشكيل الحكومة معلّق على رضى ثلاثة أطراف. وقد تبيّن إن التأخر في التشكيل مردّه عدم الموافقة على التشكيلة التي يرفعها الرئيس المكلف وليس امتناع الأخير عن تقديمها، ولهذا فإن مضمون الرسالة التي سيوجهها رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب يتصل بامتناع أو تأخر الرئيس المكلف عن تشكيل الحكومة أو الطلب من المجلس وضع معايير ملزمة للرئيس المكلف وبالتالي تحمل المسؤولية واتخاذ القرار المناسب.
إن الرسالة بالمضمون المشار إليه تثير جملة أسئلة تستدعي التأني في مقاربتها:
1- إن توجيه الرسالة يعني أن رئيس الجمهورية تخلى عن دوره كحكمٍ بين السلطات وفوّض إلى مجلس النواب حل إشكالية تتصل بالعلاقة بين الرئاسة الأولى والرئيس المكلّف والكتل النيابية المعنية بمقاربة هذا الملف، بحيث أن مجلس النواب سيعمد إلى الطلب من رئيس الجمهورية بيان مبررات رفضه التشكيلات الوزارية التي رفعها إليه الرئيس المكلف، ثمّ عليه أن يستمع إلى موقف الرئيس المكلف ثمّ الوقوف على مبررات الكتل النيابية، ليتخذ المجلس بعدها قراره بالفصل بمنازعة بين سلطات دستورية، وهذا ما سيعزز موقع مجلس النواب ويجعله حكماً بين السلطات الدستورية بدلاً من رئيس الجمهورية المنوط به هذه المهمة بموجب قواعد النظام البرلماني المعززة بالمادتين 49 و50 من الدستور.
2- الإشكالية الثانية هي ماذا لو قرر مجلس النواب أن موقف الرئيس المكلف موافق للدستور، وأنه كان على رئيس الجمهورية الموافقة على التشكيلة التي قدّمها إليه، وأن الاعتبارات التي دفعت الرئيس المكلف إلى اعتماد هذه التشكيلة هو قرار موافق للدستور، فهل يعتبر ردّ الرسالة مع ما يحتمله هذا الرد من تحميل فخامة الرئيس وإن ضمناً المسؤولية السياسية عن الموقف الذي اتخذه، فهل يكون فخامة الرئيس برسالته قد فتح باب تحميل رئيس الجمهورية المسؤولية السياسية وهو أمر يتعارض مع المادة 60 من الدستور التي تنصّ على أن لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته.
وهل سيوافق فخامة الرئيس على التوصية النيابية ويوقع مرسوم تشكيل الحكومة كما رفعه الرئيس المكلف، أم سيرفض هذه التوصية على رغم أنها قد صدرت بناء على طلبه؟
3- الإشكالية الثالثة: ماذا لو قرر النواب الامتناع عن حضور الجلسة المخصصة لتلاوة الرسالة، بحيث لم يتأمن النصاب، وهذا الامتناع عن الحضور سبق أن مارسه النواب وصدرت يومها العديد من الفتاوى المؤيدة لهذا الموقف، أو ماذا لو امتنعت كتل وازنة عن الحضور بحيث فقدت الجلسة شرط الميثاقية الذي يتمسك رئيس مجلس النواب بضرورة توافره لعقد جلسات مجلس النواب، أو ماذا لو تأمن النصاب وتحول المجلس إلى حلبة صراع بين النواب المؤيدين لموقف رئيس الجمهورية وبين النواب المؤيدين لموقف رئيس الحكومة المكلف أو امتد الصراع إلى الشارع، وهو أمرٌ استطاع رئيس مجلس النواب تجنيب المجلس الوقوع فيه حتى في أكثر الأوقات حرجاً. أو ماذا لو امتنعت الحكومة عن حضور الجلسة بحجة أنها حكومة تصريف الأعمال بحيث يتحول النقاش من مضمون الرسالة إلى نقاش في دستورية الجلسة؟
ألا يشكّل تعطيل الجلسة أو تحوّلها إلى كباش حاد بين النواب أو في الشارع، إضعافاً لموقع رئيس الجمهورية؟
4- الإشكالية الرابعة: ماذا لو قرر رئيس مجلس النواب للأسباب المذكورة، أن يمتنع عن دعوة مجلس النواب إلى عقد جلسة لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية واتخاذ موقفٍ منها، وهو أمر سبق أن استخدمه بخصوص رسالة رئيس الجمهورية المتعلقة بالمادة 49 من قانون الموازنة العامة، حيث صدر بيان بتاريخ 25/4/2018 جاء فيه أن رئيسي الجمهورية ومجلس النواب يتفقان على التريث في إعطاء المجرى الدستوري للرسالة الرئاسية ريثما يبت المجلس الدستوري الطعن في المادة 49 من قانون الموازنة.
وفي حال قرر رئيس المجلس بعد التشاور مع رئيس الجمهورية التريث في مناقشة الرسالة ألا يتكرّس عرف جديد مفاده أن بالإمكان عدم مناقشة مجلس النواب لرسائل فخامة الرئيس؟
إن هذه الأسئلة الجادة تدفعني إلى القول أن فخامة الرئيس سوف يتريث بتوجيه رسالة إلى مجلس النواب بموضوع التأخر في تشكيل الحكومة.