IMLebanon

حرب “الموظّفين” تنسف ما تبقى من صورة لبنان الدولة

ليس غريبا في لبنان أن “يطير” موظّف رسميّ من منصبه لأسباب سياسية، فالبلاد اعتادت مثل هذه الظواهر على مرّ العقود الماضية، خصوصا أن حصول أي شخص على “امتياز” العمل في الدولة، غالبا ما يأتي نتاج “واسطة” زعيم ما، كان له حظّ الاستفادة منها. غير أن تصفية الحسابات بين القوى السياسية المتنازعة، لم تتخذ يوما هذا الشكل العلني الفاقع والمباشر.

ففي الماضي، كانت إطاحة موظف “مزعج” أو قاض أو مدير عام “متمرّد” على هذا الوزير أو ذاك، تُعطى مبررات “مهنية” أو “تقنية” أو “إدارية” من قِبل ممارسيها، لمحاولة التعمية عن أغراضها السياسية الفعليّة.

وفق ما تقول مصادر سياسية لـ “المركزية”، لا سيما بين التيار “الوطني الحر” والحزب “التقدمي الاشتراكي”، فسابقة خطيرة لم تعهدها البلاد من قبل، وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال مروان حمادة، أصدر قراراً بإعفاء الموظفة في وزارة التربية هيلدا خوري من إحدى مهماتها في الوزارة، موضحا أن الأخيرة كانت تشغل أكثر من منصب في الوزارة خلافاً للقانون. هذه الخطوة التي تزامنت مع تصعيد سياسي غير مسبوق بين الجانبين، حيث لم يتردد رئيس “الاشتراكي” في وصف العهد بالفاشل وبعض مسؤوليه بـ”العلوج”، لم ينم عليها “التيار الوطني”، فسارع وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال طارق الخطيب إلى إصدار قرار يقضي بنقل مدير محمية أرز الباروك نزار الهاني، المحسوب على “الاشتراكي”، إلى مهمات أخرى في الوزارة، وتم نقل الموظّف في مؤسسة كهرباء لبنان رجا العلي إلى مهمات أخرى أيضاً في المؤسسة.

وليكتمل المشهد الذي يدل إلى الأميال التي تفصل بين لبنان من جهة وصفة “الدولة” من جهة أخرى، بحسب المصادر، خرج الخطيب مجاهرا بأن “القرارات الأخيرة التي اتخذها في وزارة البيئة والقرارات في وزارة الطاقة التي طالت مقرّبين من الحزب “الاشتراكي” هي قرارات كيديّة وسياسيّة، قائلا “المسألة ليست مسألة حرب، إنما هي قرارات كيدية تعسفية صدرت في حق موظفين شرفاء أكفاء، فاضطررنا إلى القيام بردة فعل لنؤكد لهذا الفريق الذي تعوّد على التسلط، أن زمن الميليشيات والحرب انتهى ونحن “مش لقمة سهل ابتلاعها”. لذلك سنرد بالمثل على تصرفات كهذه، على الرغم من أن هذا الموقف بصراحة لم يلق القبول من رئيس التيار “الوطني الحر” وسألني عنه، وكنا نتمنى على من اتهم بالأمس الناس “بالعلوج” أن يسأل وزيره لماذا تصرّف هكذا”؟ وأضاف متوجّها إلى الحزب “الاشتراكي” “إن عدتم عدنا…مش نحنا اللي ابتدأنا وذا بدّو يكون في تصرفات مشابهة اكيد بدي ردّ بالمثل بوزارتي”.

أمام هذا الكباش، تسأل المصادر عن المستفيد من الصراع المتوالي فصولا فوق السطوح. وتعتبر أن “هذه الممارسات تهشّم صورة العهد، وبالتالي قد يكون من الأفضل الترفّع عن الظلم، إذا كان موجودا، وعدم الانزلاق إلى خطوات تذهب في الاتجاه المعاكس لما يعمل لأجله.

وأبعد من ذلك، تشير المصادر إلى أن “الركون إلى الآليات الصحيحة لإدخال موظفين إلى الدولة بات أمرا ملحا. فالوساطات والمحسوبيات أغرقتها (أي الدولة) بأشخاص من كل حدب وصوب يحلبون ثمارها ويستنزفونها ويأخذون من صناديقها من غير بذل جهد الحدّ الأدنى. والمطلوب فيما بات العجز والميديونية يكسران ظهر الخزينة، وقف استسهال تجاوز الطرق القويمة والسليمة للتوظيف، وإعادة الاعتبار إلى مجلس الخدمة المدنية وإلى المباراة التي تُجرى لاختيار شخص لشغل أي مركز، وبذلك يكون محصنا بكفايته ومهارته لا كبش محرقة أو رهينة للسياسي الذي أتى به، وضحية للكيديات والمناكفات بين القوى المتصارعة.