كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:
من المعروف أنّ «اكتئاب ما بعد الولادة» هو فترة حزن تمرّ فيها المرأة بعد ولادة طفلها تتخلّلها الحاجة إلى البكاء والحساسية الأنفعالية المفرطة. وعادة، يشعر 80 إلى 85% من النساء بهذا الاكتئاب بعد أيام أو أسابيع. وتمتدّ هذه الفترة لساعات عدة وكثيراً ما تستمرّ أشهراً، ليختفيَ هذا الاكتئابُ تدريجاً لاسيّما بعد استراحة الهرمونات التي تكون واحدةً من أسباب تفاقم هذه الفترة. حتى الآن، كلّ هذه المعلومات معروفة ومتداوَلة بين الناس، ولكن ما يجهله معظمنا هو أنّ الأب أيضاً يمكن أن يقع فريسة الاكتئاب ما بعد ولادة زوجته طفلهما. فما هو اكتئابُ ما بعد الولادة عند الرجال؟ ما هي أبرز عوارضه؟ وكيف يمكن أن يتساعد الزوجان لتخطّي هذه المرحلة الدقيقة؟
كان تشخيص الإصابة باكتئاب مع بعد الولادة منحصراً فقط بالأمهات اللواتي يعانين من جميع أعراضه بعد الولادة. ولكن أكّدت دراسات أُجريت في إحدى جامعات لندن أنّ الأب يمكن أيضاً أن يعاني من اكتئاب ما بعد الولادة. وعرضت تلك الدراسات أنّ 10% من الآباء يعانون من الحزن الشديد خلال السنة الأولى التي تلي ولادة الطفل. وإذا كان الأب يعاني من الاكتئاب في تاريخه الشخصي، تصبح إمكانية إصابته بالاكتئاب مضاعفة مقارنةً برجل لم يعانِ أبداً من هذا الاضطراب.
ما هي الأسباب والأعراض؟
تشبه أعراض اكتئاب ما بعد الولادة أعراض الاكتئاب الخفيف الذي تعاني منه المرأة عادةً. فيشعر الزوج الذي أصبح أباً بنوع من الحزن والخوف من المستقبل كما يعاني من الأرق. ويعود ذلك إلى الشعور بالمسؤولية الكبيرة عند الرجل تجاه عائلته وتجاه هذا الطفل الصغير الذي يعتمد كلياً على أهله.
هناك أيضاً بعض أعراض اكتئاب مع بعد الولادة عند الرجل التي تختلف عن الأعراض التي تظهر عند المرأة وهي التالية:
– الغضب والعدوانية: فنجده ينزعج من كل شيء بشكل سريع. كما أنّه قد يصرخ ويبكي في سرّه ولا يتحمّل أيّ ملاحظة.
– قلّة التركيز ويكون في بعض الأحيان مشتّت الفكر، لا يستطيع التكلّم عن موضوع معيّن بدون أن يقوم بجهد للتركيز.
– أفكار سوداء عن المستقبل وقلق مفرط على حياته الشخصية وعلى زوجته والطفل الصغير. وتدور أحياناً في رأسه صورُ «خوف» وقلق على حياة الطفل الصغير.
– يمكن أن يعاني الزوج أيضاً كالمرأة من الأرق وعدم القدرة على النوم بشكل جيد ما يؤثّر في حياته الفردية والعائلية والعملية أيضاً.
– وبما أنّ نوم الأب يتأثّر في مرحلة اكتئاب ما بعد الولادة، تتأثّر معه شهيّتُه للطعام حتى الذي كان يحبّه.
– شعور بالإحباط يرافق الأب طول النهار.
أمّا بالنسبة للأسباب التي يمكن أن تكون وراء ظهور الاكتئاب والحزن بعد الولادة عند الآباء فهي كثيرة ومن الأكيد أنّ جميعها نفسية:
– الشعور بالقلق المفرط حيال الطفل الجديد الذي يحتاج لعاطفته واهتمامه
– «صدمة الولادة» لاسيّما إذا شاهد الأب كل مرحلة الولادة
– التغييرات السريعة في حياة الأب، لا سيّما عند ولادة طفله الأول
– تغيُّر السلوك العائلي، فبعدما كان الزوج والزوجة يهتمان ببعضهما، يأتي طفل جديد ويصبحان ثلاثة أشخاص في المنزل فجأة. فينقسم هذا الاهتمام فيما بينهم. و»تهمل» الأم الحديثة أحياناً زوجها، ما يولّد عنده شعوراً بالغيرة ممزوجاً بالحزن لأنّه أصبح في «المرتبة الثانية» بالنسبة لزوجته مع وصول هذا الطفل إلى البيت.
دور الزوجة في التخفيف من اكتئاب الزوج
للزوجة دور أساسي في التخفيف من الآلام النفسية التي يشعر بها الأب. فمثلما كان هو سندها خلال مرحلة الاكتئاب التي مرّت بها ما بعد الولادة، عليها هي أيضاً أن تكون السند الإيجابي له خلال اكتئابه على رغم أنّ هذه المرحلة قد تمرّ «مرور الكرام» وبشكل غير علني أو واضح. ولكن يبقى وجودُ المرأة بقرب زوجها أساسي. ومن أهم الأدوار التي يجب أن تؤدّيها هي:
– تشجيع الزوج وإعطاؤه بعض المسؤوليات البسيطة التي تساعده في لعب دور الأب. فالكلمات النابعة من القلب وغير المصطنعة، يمكن أن تريحه وتنسيه قلقه الذي يشعر به تجاه طفله الجديد.
– التحدث مع الأب عن مخاوفه وقلقه. فمناقشة الأمور الحياتية وتبادل الحديث بين الزوج والزوجة وتفهّمهما لمشاعرهما، قد يزيل عبئاً كبيراً عن قلبهما.
– إذا استمرّ هذا الاكتئاب من المهم استشارة طبيب نفسي وأخصّائي نفسي. يجب أن يطلب الزوج المساعدة على يد شخص أخصائي.
– لا يجب أن يتلهّى الأب بأمور أخرى غير عائلته لأنّ ذلك سيؤذيه، بل يجب أن يبقى بقرب عائلته والاهتمام بها.
– ممارسة الأب والأم الرياضة تُخفّف من اكتئاب ما بعد الولادة. فالرياضة اليومية تنشّط الجسد وتعالج النفس والجسد على حدّ سواء كما تقلّل الضغط النفسي. ومشاركة الزوجة في هذا النوع من النشاط، يقرّب الثنائي الذي أصبح مسؤولاً عن طفل صغير، بحاجة لأمّه وأبيه بكامل نشاطهما طوال الوقت.
– يمكن للزوج والزوجة، في نهاية الأسبوع، أن يسترخيا تاركين كلّ المسؤوليات خلفهما وأن يستلقيا على السرير معاً بقرب طفلهما.
– يمكن للأم أن تحضّر عشاءً لذيذاً أو تخطّط لسفرة مع زوجها لتمضية بضعة أيّام بعيداً من المنزل.
تطول وتطول لائحة الإرشادات للترويج عن النفس والعودة الى السلام النفسي والسكينة…