كتبت هبة سلامة في “الاخبار”:
في لبنان لا تصنيف واضحاً للمدن السياحية. المرسوم الوحيد في هذا الشأن عمره أكثر من ستين عاماً، ويتحدث عن «مدن الاصطياف»، مستثنياً منها المدن الساحلية!
أن تستقبل مدينة، كصور، 50 ألف زائر في نهاية أسبوع واحدة، وأن يكون شاطئها الأنظف في لبنان، وأن تحتوي على آثار رومانية… كل ذلك لا يخوّلها أن تكون «مدينة سياحية» بما يجعلها تستفيد من امتيازات يُفترض أن توفّرها الدولة لجذب السياح! والواقع أن هذه حال مدن لبنانية كثيرة، لا صور وحدها.
«ليس هناك ما يسمّى بالمدن السياحية في المراسيم الرّسميّة اللّبنانيّة»، تقول وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية النّائب عن منطقة صور عناية عزّ الدين. الأقرب الى هذا المفهوم هو المرسوم رقم 12609 تاريخ 28 حزيران 1956 الذي تحدّث عن «مدن الإصطياف»، وعليه تُعتبر مركز اصطياف كل بلدة أو قرية تتوفّر فيها شّروط محدّدة، كأن يكون ارتفاعها 500 متر عن سطح البحر، وأن تحتوي مؤسّسة فندقيّة بشروط محدّدة، وبيوت سكن للمصطافين، وخط هاتف وطرقات معبّدة… الخ. لكن المرسوم لم يأت على ذكر المدن السّياحيّة خصوصاً السّاحليّة منها.
تشرح عز الدين أن مرسوم الإصطياف «أعطى امتيازات لهذه المناطق، تشمل زيادة التّغذية الكهربائية وإعطاءها أولويّة في مشاريع البنى التحتيّة والطّرقات ومشاريع الإستثمار والإنماء. وهذا ما يفسّر اهتمام الدولة منذ عشرات السنين بمناطق محددة، في مقابل إهمالها مناطق أخرى». وتؤكّد عزّ الدين أنها تسعى، بالتّعاون مع وزارة السياحة، لتعديل المرسوم الحالي ليشمل التّصنيف مدن الإصطياف والمدن السّياحيّة، «كي نستحصل على اعتراف من الدّولة بالامكانيّات السياحيّة للمدينة لتحجز مكاناً لها في أي مشاريع إنمائيّة تقرّها الدولة». وتشدّد على أنّ مفهومي السّياحة والدّليل السّياحي بحاجة إلى مراجعة، لأنّ القطاع لم يعد بالشكل التّقليدي الذي كان عليه. «لدينا في لبنان اليوم سّياحات ترفيهيّة ودينيّة وبيئيّة وغيرها ينبغي الاستثمار فيها وتنظيمها والافادة منها لتطوير اقتصادنا».
بين مطرقة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب وسندان الانماء اللامتوازن، بقيت صور لسنوات طويلة مدينة مهمّشة ومجهولة لبقية اللبنانيين، قبل أن «يكتشفها» هؤلاء في السنوات الأخيرة. و«مع أنّ التّسمية الرّسمية غير موجودة، إلّا أن صور مدينة سياحيّة بامتياز وتستقبل آلاف السياح خصوصاً في فصل الصيف»، يؤكّد رئيس بلديّة صور المهندس حسن دبوق. ويلفت، على سبيل المثال، الى أن المدينة استقبلت في نهاية الأسبوع التي رافقت عيد الفطر في حزيران الماضي «أكثر من 50 ألف سائح، وفق أعداد السّيارات التي قصدت المواقف العامّة. واستقبل موقف الخيم البحريّة وحده، يومها، أكثر من 10 آلاف سيّارة». ويضيف: «ليست صور مدينة صناعيّة ولا تجاريّة، وهي تمتلك شاطئاً رائعاً وآثاراً تاريخيّة مميّزة ما أدى الى تحوّلها، في السنوات الأخيرة، مقصداً سياحياً. هذا الازدهار أثر إيجابًا على المناطق المحيطة بها. فأُنشئت فنادق ومنتجعات ومطاعم تركّز عدد كبير منها على طول خط صور ــــ النّاقورة جنوبًا».
«تتمتّع المدينة بكل مقوّمات المدينة السّياحيّة»، يشرح رئيس جمعيّة الحفاظ على البيئة في صور أحمد فرج. إذ «لدينا محميّة بيئيّة على طول كيلومترين تقريبًا. ورغم كل الحديث عن تلوث مياه البحر، بقي شّاطئ صور من أنظف الشّواطئ اللّبنانيّة للسّياحة البحريّة والسّباحة. كما تتميّز المدينة بالآثار التّاريخيّة التي أدرجتها في لائحة المدن التّاريخيّة كمدينة تراث عالمي لدى منظّمة الأونيسكو».
يرقب الصوريون بفخر التحوّل الذي تشهده مدينتهم، لكنهم لا يخفون خشيتهم من فقدان خصوصيتهم. «أمر جميل، لكن أخشى أن تؤدي زيادة أعداد السّائحين إلى مزيد من مواقف السّيارات والعمران، وبالتّالي المزيد من الحجر على حساب البشر»، يقول حسين مزرعاني. ناهيك عن الخشية التي يبديها كثيرون من ازدحام السير و«الأسعار السياحية». وهذا ما يقلّل دبوق من شأنه، لافتاً الى أن «السّياحة لا تؤثر على أسعار السّلع الأساسية والطبابة والتّعليم، وبالتّالي لن تؤثّر سلبًا على المقيمين. وهي تفتح الباب أمام وجود مطاعم ومقاه وأسواق سياحيَة متفاوتة ومتنوّعة في الأسعار، وبالتّالي تزيد فرص العمل وتنشط الحركة التّجارية في المدينة. وكما في كل مدن العالم، ستختلف أسعار الإيجارات وحجوزات الفنادق بحسب المواسم، وهذا أمر طبيعي يعتمد على العرض والطّلب».