كتبت ساسيليا دومط في “الجمهورية”:
«تغيّرت الحياة، لم تعد كما كانت على أيّامنا، ما بقى تعرف المرا من الرجال»، تمتمت والدة لوسي التي تزوّجت منذ عامين، وهي ليست على توافق مع زوجها، ولا تريد متابعة حياتها معه. فهي تعمل لما يزيد عن العشر ساعات في اليوم، ويتطلّب عملها كطبيبة السفر بشكل متكرّر، أمّا زوجها فيمضي معظم وقته في البيت، يشاهد التلفزيون، ويرسم بعض اللوحات بين الحين والآخر.
وتسأل الأم العجوز عن سبب هذا التغيير في زمننا هذا، وكيف أصبحت المرأة تعمل جاهدة، أكثر من الرجل أحياناً؟ وهل خروج المرأة إلى العمل يدفع إلى إهمال الرجل؟ أو عدم شعوره بالمسؤولية الكاملة من خلال المدخول المادي؟ هل يلعب عمل المرأة دورا في تفكّك العائلات؟ أم أنّ الضغوطات اليوميّة تلعب الدور الأكبر في انهيار زواج تلو الآخر؟؟
من المؤكّد أنّ الصّراعات والمشاكلات الإجتماعية في تزايد، خصوصاً العائلية منها، والتفكّك الأُسري يفتك بالعائلات كأنّها فقدت شيئاً من مناعتها.
إنّ خروج المرأة إلى سوق العمل زادها قوة واستقلالية وتقديراً للذات، إلّا أنّ انعكاسات ذلك وسوء التعاطي مع الأمر قد يساهم في فقدان أواصر العلاقة الزوجية. لكن تناولنا لهذا الموضوع لا يعني بأنّنا ضدّ عمل المرأة وتحقيق ذاتها، فهي قادرة على القيام بالإثنين معاً، الحفاظ على الزواج والعائلة والعمل، لكنّ المشكلة تكمن في الوعي واللاوعي لدى الجنسين معاً. ففي لا وعي كل رجل وامرأة صورة للمرأة المتعاطفة التي تهتمّ بعائلتها، بتحضير الطعام والاهتمام بالأطفال والعلاقات العائلية؛ أمّا العقل الواعي ففيه رغبة في التطوّر والتغيير عبر الخروج إلى العمل والاستقلالية وحرية القرار. أمّا صورة الرجل في لاوعينا، فهو ذاك الصياد، حامي الحمى، المسؤول عن تأمين لقمة العيش والدفاع عن العائلة، وفي العقل الواعي أصبح يميل إلى ترك حماية العائلة لرجال الأمن، ونراه يبتعد عن الإمساك بزمام القرار كما في السابق.
ما يتسبّب بالمشكلة الأساسية هو صراع كل منّا بين صورة ذاته وصورة الشريك في الوعي واللاوعي، صورة ما حفظناه من أدوار لكل من الرجل والمرأة وما نعيشه في الواقع. والأهم هو جنوحنا نحو التغيير والتطور وفقدان توازننا في مرحلة التحوّل، فنرى المرأة تهمل أبناءَها وبيتها، وتمعن في الخروج إلى العمل والتسوّق، تحت شعار الحرية والمساواة والحقوق؛ أمّا الرجل، فتعجبه صورته الحضارية، وتُشعره بالانفتاح والتطوّر، فيكسر القيود، ويميل شيئاً فشيئاً إلى نقيض ما تربّى عليه وما يحمله من صور للرجل الرمز.
وعندها يتصارع كل من الإثنين مع ذاته، فهل من السهل عليه التأقلم مع هذا التحوّل؟ هل يريد فعلاً خروج المرأة واستقلاليتها؟ هو لم يفقد بعد حسّ السيطرة والتملك الذكوري على المرأة؛ أمّا هي، فهل تريد فعلاً التحرّر من تلك السيطرة؟ هل تحتاج فعلاً إلى الرجل الذي لا يشبه الصورة التي نشأت عليها؟ أليست بحاجة لحمايته وسلطته وقسوته أحياناً؟
بين الصورة التي في باطن عقلنا عن أنفسنا والشريك وما نصبو إليه نضيّع طريقنا أحياناً، إذ يلزمنا الكثير من التوازن ومراجعة وفهم الذات والآخر. فعندما يجذبنا التغيير ويُبهرنا، نخسر سهواً ما نحتاج له من مبادئ وقيَم، تحت شعار التطوّر والانفتاح.
إنّ هذا التحوّل السريع في المجتمع يتسبّب في صراعات ونزاعات كثيرة، كما ينتج عنه انفصال وتفكّك في العلاقات، وعزلة وقلق وخوف، كما يدفع إلى ضغوطات نفسيّة واضطرابات عدّة كالإدمان والعنف والاكتئاب وتطول اللائحة.
نحن نحيا ونعمل بهدف التطور والعيش بشروط أفضل، ونسعى جميعاً إلى الحرية والإنفتاح، إلّا أنّ التغييرات الجذرية والسريعة في حياتنا لا تخلو من انعكاسات سلبية علينا وعلى الآخر، لا بل على المجتمع ككل.