كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:
تقلّ أسعار غالبية الأدوية المُنتجة في إيران عن أسعار الأدوية المنتجة في بقية الدول المُصنّعة بنسبة 90%، بحسب مسؤولين في وزارة الصحة الإيرانية. انخفاض كلفة انتاج الدواء يعود إلى اعتماد إيران على تصنيع الدواء الجينيريك البديل للدواء التجاري. ورغم الحصار الإقتصادي القاسي، تمكّنت الجمهورية الاسلامية من تسجيل إنجاز لافت في مجال صناعة الأدوية عموما، وصناعة بعض أدوية السرطان خصوصا. الجولة التي قام بها وفد إعلامي لبناني، الأسبوع الماضي، على مصانع الأدوية في طهران، كشفت حجم التطور الذي سجلته ايران التي تنتج نحو 96% من أدويتها، وهي قادرة على انتاج أي دواء بعد شهر واحد فقط من طرحه في السوق. يقول الإيرانيون إنهم على استعداد لنقل تقنيات تصنيع الدواء الى لبنان لخفض فاتورة الدواء فيه التي تتجاوز سنويا المليار دولار، فيما لا يبدو أن هناك تجاوبا من الجانب اللبناني في هذا الشأن. ويُعزى ذلك الى منظومة المصالح التي تحكم قطاع الأدوية، وإلى التجاذبات السياسية التي سبق أن حرمت لبنان من فرص مساعدة الإيرانيين في ملفات أُخرى. رغم ذلك، يرجّح البعض إمكانية دخول إيران الى سوق الدواء اللبناني في ظلّ الحديث عن تسلّم حزب الله وزارة الصحة في الحكومة الجديدة. فهل يستفيد لبنان من التجربة الإيرانية بمعزل عن الجهة التي ستتسلم «الصحة»؟
نحو 1,4 مليار دولار قيمة مبيعات سوق الدواء اللبناني سنوياً، بحسب تقديرات مؤشر BMI العالمي حول الأدوية والرعاية الصحية (business monitor international). والرقم مرشّح للارتفاع إلى نحو 2,21 مليار دولار عام 2021. ووفق المؤشر نفسه، فإنّ كلفة سوق الدواء في لبنان تُشكّل نحو 3,5% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة الأعلى في الشرق الأوسط والسابعة في العالم. أمّا السبب الرئيس لإرتفاع هذه الكلفة، فيعود في الدرجة الأولى الى «ثقافة» تفضيل الدواء التجاري الأغلى سعراً التي أرستها «منظومة» من المصالح تقودها شركات الأدوية المُسيطرة في لبنان بتواطؤ مع المسؤولين.
يُعدّ هذا المدخل ضرورياً لفهم سياق العرض الإيراني المُبطّن الذي حملته دعوة وزارة الصحة الإيرانية عدداً من الإعلاميين اللبنانيين للقيام بجولة ميدانية على مصانع الأدوية في طهران، الأسبوع الماضي. والعرض يتمحور حول استعداد إيران لنقل تقنيات إنتاج الدواء وتصنيعه إلى لبنان بهدف خفض كلفة الدواء عوضا عن الاعتماد على شركات الأدوية الكبرى ذات الأسعار الغالية الثمن. وقد لخّصه الإيرانيون بمقولة: «سنعطي لبنان صنارة، عوضا من إعطائه سمكة».
وكان لافتا أن يبدأ معاون التنمية والموارد البشرية في وزارة الصحة الإيرانية غلام رضا أصغري حديثه، أمام الوفد، بمقارنة حجم سوق الدواء اللبناني بنظيره الإيراني. ففي وقت تتجاوز كلفة الدواء في لبنان مليار دولار سنويا، لا تتجاوز كلفة الدواء في إيران (حجمها نحو 18 ضعفا حجم لبنان) 4 مليارات!
بحسب المسؤولين الإيرانيين، فإنّ بلادهم تنتج نحو 96% من الأدوية (الـ4% التي تستوردها عبارة عن لقاحات وبعض أدوية السرطان المحددة)، ويبلغ حجم إنتاج الدواء فيها أكثر من 4 مرات من حاجة السوق المحلي، لذلك تُصدّر أدويتها إلى نحو 30 بلداً بقيمة نحو 150 مليون دولار سنويا. أمّا سعر الأدوية المُنتجة إيرانياً فيقل بنحو 90% عن سعرها في بقية الدول المصنّعة للدواء نفسه. في المقابل، يستورد لبنان نحو 90% من الأدوية التي تسوّقها شركات أجنبية كبرى، سواء بشكل مباشر أو عبر مستودعات متعاقدة لتأمين استيراد منتجاتها الأغلى ثمنا، فيما يُشكّل الدواء المُصنّع محليا نحو 10% فقط من حجم السوق (10 مصانع مسجلّة محلياً تواجه تحديات عدة أبرزها منافسة مستوردي الشركات العالمية للادوية والمنتجة للأدوية الأصلية).
يؤكّد المسؤولون الإيرانيون أنّهم تواصلوا مرات عدة مع الجانب اللبناني وعرضوا المساعدة أكثر من مرّة، إلّا أنهم لم يلقوا تجاوبا. وفيما يرى بعض العارفين أن سبب الرفض «معروف» لجهة التجاذبات السياسية في الساحة اللبنانية (سبق أن حرم لبنان من فرصة مساعدة الإيرانيين في ملف الطاقة)، تُنبئ المُعطيات بوجود عامل أساسي آخر، يتمثّل بـ«سيطرة» مستوردي الأدوية والشركات الكبرى على السوق اللبناني.
البدائل الحيوية ممنوعة في لبنان؟
ينام ملف شركة cinnagen الإيرانية المتخصصة في إنتاج أدوية البدائل الحيوية (biosimilare) في أدراج وزارة الصحة اللبنانية منذ 5 سنوات. حتى الآن، لم تردّ الوزارة على طلب الشركة، وهي ثاني أكبر شركة في العالم في إنتاج أدوية السرطان والتصلّب اللويحي، بالدخول إلى سوق الدواء اللبناني عبر تسجيل أدويتها التي تقلّ كلفتها نحو 50% عن سعر أدوية بقية الدول المُنتجة التي يتعامل معها لبنان.
بحسب مدير التسويق في الشركة شيان شيخ الإسلام، فإن وزارة الصحة أبلغت الشركة أنها لا تستطيع تحديد موعد واضح للردّ، مُشيرا إلى أن الشركة أُبلغت بعدم وجود سياسة واضحة في الوزارة تتعلّق بتسجيل هذا النوع من الأدوية، وأن الوزارة ستُبلغ الشركة ردّها متى وضعت مثل هذه السياسة.
اللافت هو ما يُشير إليه شيخ الإسلام بأنّ عدم الردّ على الشركة منذ عام 2013 حتى الآن، يعني عمليا أن وزارة الصحة اللبنانية لم تُسجّل خلال خمس سنوات مضت أي دواء من نوع الـ biosimilare! علما أنّ هذا النوع من الأدوية من شأنه أن يوفّر ملايين الدولارات على وزارة الصحة اللبنانية التي أنفقت خلال ثلاث سنوات فقط نحو 140 مليون دولار على الأدوية السرطانية التي لا تصل بشكل دوري إلى جميع المرضى.
وفي هذا الصدد، يؤكد شيخ الإسلام أن الدولة الايرانية تمكّنت خلال ست سنوات من توفير 1,8 مليار دولار من خلال إنتاج هذا النوع من الأدوية.
وفي وقت يرى كثيرون أن خلفية رفض الجانب اللبناني هذا العرض يعود الى خلفيات سياسية، يلفت المعنيون في الشركة الى أن السبب يعود إلى «ضغط تمارسه شركات متعددة الجنسيات لديها مصالح في لبنان لعرقلة دخول هذا النوع من الأدوية».
تقنيات حديثة بأكلاف أقلّ
على رغم الحصار القاسي، تمكّنت إيران من تحقيق إنجاز في صناعة الأدوية، من بينها تلك المعقّدة التي تحتاج الى تقنيات عالية وحديثة. بحسب معاون التنمية في مديرية الموارد البشرية في وزارة الصحة الإيرانية الدكتور أكبر بورنداقي فإنّ ايران «تنتج نفس الدواء بعد شهر فقط من طرحه في الأسواق».
بطبيعة الحال، تقوم السياسة الدوائية في إيران على مبدأ تصنيع المواد الأولية للأدوية المركبة. ويبرز في هذا الصدد نموذج شركة dorsa التي تقوم وحدها في منطقة الشرق الأوسط بتصنيع مادة الـnitroglycerine المهمة لعلاج الأمراض القلبية وتصلّب الشرايين، وهو ما يُعدّ، بحسب العارفين، تطورا مهما للشركة التي تنتج نحو 80 صنفا من دواء الجينيريك. واللافت أن الشركة نفسها تنتج عددا من الأدوية «المطلوبة» في لبنان والمُستخدمة بكثرة (كدواء الـ nexium لحماية المعدة مثلا) بسعر يقل بنحو 84% عن السعر التجاري.
كذلك، يبرز نموذج آخر هو شركة «توليد أرو» التي تملك فرعا يتعلّق بالطب الحديث القائم على التعديل الجيني وترميم ومعالجة الخلايا (regenerative medicine). وهذه الشركة تنتج منذ 6 اشهر فقط منتجات جديدة تستهدف مرضى السرطان والبرص وغيرها عبر استخدام تقنيات حديثة. اللافت أن أرقام الشركة تُفيد بأن نحو 86% من مرضى اللوكيميا الذين استهدفتهم الشركة تمت معالجتهم تماماً.