كتب علي نون في صحيفة “المستقبل”:
لا يريد حرباً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنه سيستمر في «العمل من دون هوادة لمنع أعدائنا من التزوّد بأسلحة متطورة».. وهذه معادلة تبدو «ماشية» عنده وعند هؤلاء الأعداء. ولا تكسرها الغارات المتكررة على الداخل السوري، وآخرها ليل السبت – الأحد على «طائرة إيرانية تحمل شحنة أسلحة».
الإعلان عن الهدف الجديد، جاء عبر الإعلام الإسرائيلي وليس عبر بيان رسمي، أي مثلما جرت العادة على مدى المرحلة الماضية التي شهدت عشرات الغارات الجوية وأفضت في إحداها إلى إعلان يتيم رسمي من قبل وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان عن «تدمير مجمل البنى التحتية الإيرانية في سوريا».
أي تحت سقف منع الحرب الشاملة يتابع الإسرائيليون على هواهم وراحتهم وتوقيتهم وحساباتهم تصفية كل ما له صلة بإيران في سوريا. محوّلين «القطر الشقيق» إلى مرمى تدريب حي وفعلي ومن دون توقّع أي ردّ حتى تحت سقف تجنّب الحرب الشاملة! بحيث أن طهران لا تبدو مستعدة حتى للتورّط في عملية محدودة وإعلامية وموضعية رداً على استهدافها ميدانياً! بل إنها في واقع الحال المتكرر، حرصت (ولا تزال!) على «توضيح» بعض خطواتها السياسية والديبلوماسية كي لا تفهمها إسرائيل خطأ.. مثلما جرى قبل نحو أسبوعين تقريباً، عندما زار محمد جواد ظريف دمشق بعد يوم واحد على تدمير أهداف (إيرانية) كبيرة في مطار المزّة الدمشقي، وحكى من هناك عن كل شيء إلا عن الغارة وإسرائيل!
وهذا أداء غريب حتى بالمقاييس العادية: الغارات الإسرائيلية جدّية ومدمّرة ميدانياً، وتنفّذ قراراً سياسياً كبيراً واضحاً مؤداه «تصفية» النفوذ الإيراني في سوريا. لكن إيران تتعامل مع الأمر وكأنه يحصل مع غيرها! ولا علاقة لها به! وتتصرّف عملياً ومثلما هو واضح وعلى المكشوف وكأنها «مستسلمة» أمام إسرائيل، في حين أنها لا «تقول» ذلك بل عكسه! أي أنها تكرّر تمسّكها ببقائها في سوريا «تلبية لدعوة حكومتها» رداً على الموقفين الأميركي والإسرائيلي المطالبين برحيلها.. وهذا لعب هواة! بل لا يليق حتى بذلك التوصيف، ويقترب من كونه عبثاً وغير مفهوم، عدا أنه يدلّ على عمق المأزق الذي وقعت فيها طهران: إذا ردّت على استهدافها يمكن أن تتورّط في حرب أكبر منها! ولا تريدها في الأساس! وإذا لم تردّ وضعت نفسها في حقل رماية مفتوح (مثل التيرو!) من دون أن تتمكن من ضبط إيقاع الصيّاد (الإسرائيلي) الذي يطلق نيرانه على كل طائر أو صحن يمرّ أمامه!
يمكن وضع هذه المعادلة في سياق برز خلال حرب السنوات الثماني مع العراق، حيث كان الإيرانيون يقذفون بموجات بشرية متتالية إلى جبهات قتال مفتوحة من دون التوقف أمام الأثمان والخسائر (البشرية!) الكارثية تعويضاً عن عدم امتلاكهم القدرات الآلية أرضيّاً وجوّياً.. لكن مثلما لم ينفع ذلك التكتيك الوحشي آنذاك في ربح الحرب، يبدو راهناً، أنه لن ينجح في سوريا، برغم اختلاف القياسات و«الأعداد» والجبهات!
المبدأ واحد في المكانين والحالتين. ويدلّ على استرخاص (إيماني!) للأرواح والثروات! وعلى استسهال سفك الدم واعتباره «عادياً» في سبيل تحقيق هدف ما، وضعته القيادة الإيرانية نصب عينيها و«قررت» تحقيقه بغضّ النظر عن الأثمان.. والقياس في كل حال، عمومي وشامل. أكبر و«أعمق» من جبهات حرب الثماني سنوات مع العراق. ومن معارك الحرب في سوريا، بل هو يدلّ بالعمق على «فلسفة» صاحب الشأن والقرار في طهران؛ التي تحرّك مشروعه (القومي المذهبي) وتدفعه إلى الاستمرار به! وتفسّر كيف أنه يعتبر البلايا المستشرية في ديار العرب والمسلمين (الأغيار!) إنجازات له ولمشروعه! وكيف يضع تدمير وتخريب عمران كيانات وشعوب كاملة في خانة بناء نفوذه وحيثيته! وصولاً إلى عدم رؤيته (مثلاً) أنه دمّر اليمن والعراق وسوريا من دون أن يُدمّر هدفاً إسرائيلياً واحداً.. وأنه «ساهم» في تهجير ملايين العرب من بيوتهم وأرزاقهم من دون أي يُعيد لاجئاً فلسطينياً واحداً إلى أرضه وبيته! وكيف أنه بغلوائه التعبوي القائل بـ«تحرير» فلسطين من محتليها، استحضر كل أنواع «الاحتلالات الأجنبية» إلى المنطقة وبالجملة!
.. انكشافه انتحاري في سوريا. والواضح أن إسرائيل لن تضيّع الفرصة. وستتابع استهداف مراكزه و«مستشاريه» وملحقاته الميليشيوية ومخازنه وقوافله وشحناته السلاحية من دون هوادة، معتمدة على أشياء ومعطيات كثيرة وكبيرة وخطيرة في رأسها غلواء ومكابرة صنّاع القرار الإيراني. وغربتهم عن هذه الدنيا بانتظار «صاحب الزمان»! ثم اعتبارهم كل هذا البلاء «إنجازات إلهية» صافية!!