IMLebanon

أرقام في جعبة وزير المال

كتب أنطوان فرح في صحيفة “الجمهورية”: 

لن يحتاج وزير المالية علي حسن خليل، الى بلاغة في التعبير، لكي يشرح لاعضاء لجنة المال النيابية اليوم، خطورة الوضع المالي. ويكفي ان يُطلِع المجتمعين على بعض الارقام التي صدرت أخيرا، لكي يدرك النواب أين يقف البلد في هذه المرحلة.

يُفترض ان تجتمع لجنة المال النيابية اليوم الاثنين، لكي تستمع من وزير المالية الى شروحات حول الوضع المالي العام. يأتي هذا الاجتماع في مناخ من القلق حيال ما يشهده الاقتصاد الوطني بشكل عام، والمرحلة التي بلغها وضع المالية العامة التي تبدو نقطة الضعف الرئيسية في المشهد المالي والاقتصادي بشكل عام.

ما سيقوله وزير المالية للنواب، شبه معروف، أو على الأقل، يعرفه من يتابع الوضع المالي عن كثب. وهو بلا شك سيقدّم لائحة بالأرقام الحديثة التي سوف تُظهر تفاقم العجز وبلوغه مستويات لا يمكن ضبطها من دون اجراءات استثنائية. وحتى لو اكتفى خليل، بعرض الارقام الرسمية التي نشرتها وزارة المالية أخيرا، والتي تبيّن الوضع المالي حتى آخر نيسان 2018، أي قبل الأزمة الحكومية الحالية وتداعياتها على الوضعين المالي والاقتصادي، سيتبيّن التالي:

اولا- بلغ العجز المالي في موازنة 2018 في الاشهر الاربعة الاولى من السنة، 1.91 مليار دولار، مقابل 844.73 مليون دولار في الحقبة نفسها في العام 2017. هذا الفارق الكبير في العجز، والذي يؤشّر الى حجم العجز المقدّر في نهاية العام 2018، يشير بوضوح الى ان الارقام الواردة في موازنة 2018 والتي جرى تقديمها في مؤتمر سيدر، ليست دقيقة، ولن يكون العجز هذا العام شبيها بالعجز الذي تم تسجيله في 2017، رغم ان الدولة اللبنانية ادّعت ذلك في الموازنة التي عرضتها على المانحين في باريس قبل الانتخابات النيابية الأخيرة في ايار.

وتظهر المشكلة على حقيقتها اكثر، لدى مقارنة العجز الاولي في الموازنة بين الحقبتين. اذ يتبيّن ان العجز الاولي في نهاية نيسان2017، سجّل فائضا قدره 365,14 مليون دولار. في المقابل، وصل العجز الاولي حتى نيسان 2018 الى 625,14 مليون دولار.

ثانيا – تُبيّن الارقام الرسمية ان واردات الخزينة ارتفعت في عام (بين نيسان 2017 ونيسان 2018)، بنسبة 3,44%، وفي المقابل ارتفع الانفاق بنسبة 26,39%. وهنا تكمن المشكلة. اذ يتبيّن ان فاتورة المحروقات المخصصة للكهرباء ارتفعت بنسبة 44,14%، لتصل الى 521,73 مليون دولار في اربعة اشهر.

بما يعني العودة الى ارقام سابقة قبل تراجع اسعار النفط، وصل خلالها الدعم الحكومي للكهرباء الى حوالي ملياري دولار سنويا. بالاضافة الى الكهرباء، يبرز الانفاق الاضافي، على الرواتب والاجور الناتج بصورة اساسية عن سلسلة الرتب والرواتب اولا، وعن استمرار التوظيف العشوائي في القطاع العام ثانيا. ورغم انه لا يتوفر رقم دقيق عن الكلفة النهائية للسلسلة، لأنه رقم متحرك ينمو مع الوقت، إلا ان التقديرات تشير الى احتمال بلوغه عتبة الملياري دولار سنويا.

في مقابل الانفاق، تبدو الواردات مأزومة لاعتبارات عدة. وكان متوقعا ان ترتفع بنسبة كافية لتغطية الانفاق الاضافي على سلسلة الرتب والرواتب، لكن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر. السبب الرئيسي في ذلك يعود الى الركود في الحركة الاقتصادية. وبما ان 74% من مجموع واردات الخزينة يعود الى مداخيل الضرائب، فهذا يفسّر عدم نمو المداخيل رغم ابتكار لائحة طويلة بضرائب جديدة لتمويل السلسلة. فالضرائب في قسم كبير منها مرتبطة بالانتاج والربحية في القطاع الخاص، والاستثمارات الجديدة. وبما ان الاقتصاد في وضعية تراجع، من البديهي ان العائدات الضرائبية ستتراجع.

ولولا الضرائب المباشرة، وفي مقدمها الضريبة على القيمة المضافة لكانت الواردات الضرائبية في وضع اسوأ. وقد سجلت العائدات الضرائبية في عام، ارتفاعا بنسبة 6,51%، ووصلت الى 2.82 مليار دولار، منها 34,21% لضريبة الـTVA التي ارتفعت بنسبة 8,65%، وبلغت عائداتها في سنة964,32 مليون دولار.

في المقابل، تراجعت العائدات غير الضرائبية بنسبة 23,47%، لتبلغ 638 مليون دولار في نيسان 2018. هذا التراجع يعود في قسم كبير منه الى تراجع عائدات الاتصالات (30,47% في سنة)، لتصل الى 252 مليون دولار في آخر نيسان 2018. جدير بالذكر، ان عائدات الاتصالات تشكل 39,54% من مجموع عائدات الخزينة غير الضرائبية.

هذه الارقام والوقائع، تُضاف اليها الضغوطات المالية المستجدة منذ رفع بنية اسعار الفوائد، سوف تشكّل مادة غنية لوزير المالية الذي يمتلك في جعبته ارقاما أحدث من الارقام الرسمية المسجلة حتى آخر نيسان 2018، وقد يستعرض بعضها، ويحتفظ ببعضها الآخر تحاشيا لبث مناخ قلق ورعب قد يساهم في تدهور الوضع اكثر مما هو عليه حاليا. وهكذا سيتسنّى لاعضاء لجنة المال النيابية الاطلاع على خطورة الوضع المالي في الدولة، وتنتهي القصة هنا. لا أمل بأي خطوة او تغيير لوقف التدحرُّج نحو الهاوية.