كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
يحرص رئيس الجمهوريّة ميشال عون على أن يتحكّم بوزنه ويبقيه «تحت السيطرة»، وهو قرّر أخيراً تخفيضه بمعدّل كيلوغرامين خرقاً للمعدّل المرسوم. وفق المقياس ذاته، يقارب عون مسألة تأليف الحكومة رافضاً التسليم بالأوزان الزائدة والأحجام المنتفخة التي تتجاوز في رأيه مقاسات صناديق الاقتراع.
يُدرك عون انّ الوقت الضائع يضغط عليه، وهو مقتنع بأنّ هناك من يتسلّح به في إطار «حرب ناعمة» تُشنّ عليه، وترمي الى عرقلة مسار العهد وإنهاكه، لكنّه قرّر أن يخوض المواجهة على إيقاعه ووفق توقيت ساعته. ويحتفظ رئيس الجمهورية بأوراق عدّة في جعبته تاركاً لنفسه اختيار اللحظة المناسبة لاستعمالها، بعد أن يكون الرئيس المكلف سعد الحريري قد أخذ كلّ فرصته، وفوقها «حبّة مسك»، لتأليف الحكومة.
ويقول عون أمام زواره أنّه ما دامت هناك ذرّة أمل في أن يتمكّن الرئيس المكلّف سعد الحريري من تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ الجميع، فإنّه سيصبر وسيعطي فرصة للأخذ والرد، «ولكن لن أبقى منتظراً الى ما لا نهاية، وفي الوقت المناسب سأتّخذ القرار المناسب».
وعندما يُسأل عون عما إذا كان يضع مهلة زمنية ضمنية لمسعى الحريري، يجيب: «لا أريد الآن أن أكشف عمّا أفكر فيه. أنا أستعدّ للسفر الى نيويورك وبعد عودتي لكلّ حادث حديث».
لا “بخشيش”
وهل لديه استعداد لتقديم تنازلات من أجل تسهيل التأليف؟
يجيب عون مستغرباً هذا الطرح، وقائلاً: «ما الذي سأتنازل عنه؟ انّ العقد موجودة عند الآخرين وليست عندي، ومن يعتبر أنّ الكرة في ملعبي هو مخطئ، وأنا لست لاعباً في أيّ فريق ضدّ فريق آخر، بل أنا حكم حريص على استخدام صفّارتي الدستورية ورفع البطاقة الصفراء أو الحمراء عند الضرورة، من أجل حماية التوازن و«اللعب النظيف».
وحين يُقال لرئيس الجمهورية أنّ هناك من يفترض أنّ في إمكانه تخفيض سقف متطلباته الوزارية لتسهيل ولادة الحكومة، يلفت الى «أنّ الحصّة الرئاسية باتت تقليداً أو عرفاً لا يحقّ لي أن أتصرّف به، وأنا معنيّ بأن أحافظ عليه»، متسائلاً: «هل المطلوب منّي أن أقدّم «البخشيش» الوزاري حتى يرضى هذا الطرف أو ذاك؟ انّ هذا الأمر غير وارد».
لن “أكبس” باسيل
ولكن البعض يفترض انّ في إمكانك التأثير على رئيس «التيّار الوطنيّ الحرّ» الوزير جبران باسيل لدفعه الى تليين موقفه وتخفيف مطالبه؟
يجيب عون: «انّ ما يطرحه هذا البعض بات يتّخذ طابعاً هزلياً، لأن لا علاقة له بالواقع»، مضيفاً: «جبران باسيل يناضل في صفوف «التيّار الوطنيّ الحرّ» منذ عام 1989، وراح يتدرّج في صفوفه منذ ذلك الحين، أمّا أنا فقد تعرّفت إليه عام 1993 وهو لم يصبح صهري سوى في عام 1999، وخلال مسيرته في «التيّار» خاض مواجهات كثيرة وسُجن في 7 آب الشهير، وبالتالي فإنّ الأدوار السياسية او الوزارية التي أُسندت اليه كان يستحقها وقد اكتسبها عن جدارة وليس لأنّه صهري».
ويتابع: «يريدونني أن «أكبس» باسيل، وأن أضغط عليه حتى يتراجع عمّا يطرحه حكومياً، ولكن هؤلاء يتجاهلون او يجهلون انّني أتعامل مع باسيل مثلما أتعامل مع أيّ رئيس حزب سياسي آخر، لأنني كرئيس للجمهورية أقف على مسافة واحدة من الجميع، وأنا حين تخلّيت عن رئاسة «التيّار» كنت جاداً في الفصل بيني وبين قيادته. أنا أناقش جبران، ولكن لا أفرض عليه شيئاً. المعني بالأمر هو الرئيس المكلّف، ولا علاقة لي بما يدور بينه وبين باسيل. هذا شأنهما. ما يهمني في النهاية هو المحتوى الإجمالي للتشكيلة الوزارية، وعندها أتدخل وأعطي رأيي استناداً الى الصلاحيات الممنوحة لي، لأن توقيعي يُحمّلني مسؤولية دستورية ووطنية».
ويغمز عون من قناة وليد جنبلاط وسمير جعجع، فيتساءل: «لماذا يُطلب مني أن «أكبس» جبران حصراً، بينما الآخرون يتمادون في مواقفهم ويرفعون سقوفهم الى ما فوق المنطق. انّ الضغط يجب ان يُمارس على هؤلاء بالدرجة الاولى».
ويلاحظ عون «انّ هناك من يتكلم عني ويهاجمني بناء على فرضيات مسبقة، من دون ان يكون قد التقاني او سمع مني شيئاً في الأساس». ويتابع ضاحكاً: «يبدو انّ هؤلاء أصبحوا يملكون قدرات خارقة تسمح لهم بالغوص في داخلي وقراءة أفكاري. يا لها من مهزلة. انّها محاكمة عبثية للنيات».
هذا ما تستحقّه “القوات”
وحين يُسأل عون عن المعادلة التي يعتقد أنّها الأنسب لتوزيع المقاعد المسيحية في الحكومة بطريقة عادلة، يؤكد «أن توزيع الحصص الوزارية هو من شأن الرئيس المكلّف واختصاصه، ولا أريد أن أتدخل في عمله، أما إذا سئلت عن رأيي، فأنا أعتقد ان «التيّار الحرّ» يستحق ان ينال 6 حقائب وزارية و«القوات اللبنانية» 3 حقائب، استناداً الى معيار واحد قوامه: وزير لكلّ 5 نوّاب».
وماذا عن حصّة الرئيس؟ يعتبر عون انّه يحقّ لرئيس الجمهورية ان تكون له كتلة يتراوح حجمها بين 4 و 5 وزراء، نافياً وجود أيّ مسعى لديه ولدى «التيّار» للحصول على «الثلث المعطل»، «لأنّ الحاجة إليه انتفت أصلاً في اعتبار انّ مجرّد غيابي عن مجلس الوزراء يكفي حتى يصبح انعقاده متعذراً». ويشدّد على انّ التجربة أثبتت حرصه على «إدارة مجلس الوزراء بحكمة، بغية تصويب مسار النقاشات وضبط إيقاعها».
ويشير عون الى انّ من المفارقات التي توقّف عندها هي «محاولة إعطاء «القوات» حقيبتين وازنتين من ضمنهما واحدة شبه سيادية وإعفائها من وزارة الدولة، على حساب أطراف أخرى»، مشدداً على انّ واجبه ودوره يُحتّمان عليه ضمان تحقيق العدالة في تركيبة الحكومة وفق الأحجام التي أفرزتها الانتخابات النيابية، «وهذا لا يشكّل انتقاصاً من صلاحيات أحد، بل يندرج في صميم صلاحياتي كرئيس مؤتمن على تطبيق الدستور».
العهد مستهدف
وهل تشعر بوجود استهداف مقصود للعهد بغية إحباطه؟
يجيب عون انّ كلّ المؤشرات والوقائع تثبت ذلك، «والمنخرطون في هذا الاستهداف يتكلمون جهاراً عنه ويؤكدون أنّ المصلحة جمعتهم، وأنّهم يدخلون معا ويخرجون معا من الحكومة».
وهل الحريري هو جزء من هذا المخطط؟ يجيب عون: «لا.. ولكن من الواضح في الوقت نفسه أنّ هناك اعتبارات معيّنة تضغط عليه».
لا تهزّني الحملات
وكيف تفسر الانتقادات الحادّة التي يوجّهها رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الى العهد؟
يجيب عون انّه يرفض الانزلاق الى سجالات جانبية، مكتفياً بالقول: «لقد نُفيت 15 عاماً ولم أتأثر ولم أتزحزح عن مبادئي.. حملة من هنا أو هناك لن تؤثر عليّ الآن ولن تغيّر شيئاً في ثوابتي، خصوصاً انّ الكلام المستخدم ضدّي لا يستند الى أيّ مضمون وبالتالي لا قيمة له، علماً أنني مستعدّ لمناقشة كلّ نقد موضوعي يرتكز على محتوى حقيقي.
الانجازات تردّ على جعجع
وهل ستستجيب لنصيحة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي سبق ان دعاك الى المبادرة وإنقاذ عهدك؟
يردّ عون مبتسماً: «وهل العهد مهدّد بالسقوط حتى أنقذه؟ لقد فات جعجع أنّنا حقّقنا كثيراً من الإنجازات خلال العامين الماضيين، ومنها على سبيل المثال: إقرار مراسيم النفط وإطلاق عجلة التنقيب والاستخراج بعد طول انتظار، وضع قانون انتخاب على اساس النسبية، اقرار الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، إجراء تعيينات ديبلوماسية وقضائية وادارية وأمنية أفضت الى تفعيل جسم الدولة، تثبيت الوضع الأمني في محيط مشتعل سواء عبر دحر التكفيريين من لبنان بقرار سيادي أو من خلال تحصين الاستقرار الداخلي حيث تفيد كل التقارير التي تصلني أنّ حوادث القتل وسرقة السيارات والبنوك والنشل انحفضت كثيراً، وغيرها من الامور التي تحققت في السنتين الماضيتين».
ولكن جعجع يؤكد أن نصائحه تنطلق من حرصه على العهد؟
لا يبدو عون مقتنعاً بهذه النظرية، مشيراً الى «انّ من يراقب سلوك جعجع يلاحظ انّه يدعم العهد في الظاهر ويحاربه في الواقع».
مصارحة اللبنانيين
والى أيّ حدّ يخشى الرئيس من استنزاف عهده وهو لا يزال في عامه الثاني؟
يؤكد عون أنّه متى شعر بأنّ محاولة استنزاف العهد وإنهاكه وصلت الى مرحلة متقدمة واقتربت من الخطوط الحمر، «فإنّني لن أتردّد عندها في مخاطبة اللبنانيين مباشرة ومصارحتهم بكلّ الحقائق والخفايا».
أنا مستقلّ
ويلفت عون الى انّه حريص في كلّ اطلالاته الخارجية عبر المحافل الاقليمية والدولية على الدفاع عن مصالح لبنان وحقوقه، «وقد أثبتُّ عملياً انّني رئيس مستقلّ وصاحب قرار حر، لا أخضع لأيّ مؤثرات خارجية ولا أراعي حسابات أي دولة على حساب لبنان، تطبيقاً للقاعدة التي وضعتها للتيّار وهي انّ المطلوب من كلّ واحد منا ان يكون له بُعد لبناني في الخارج لا بُعداً خارجياً في لبنان»، متسائلاً: «هل استقلاليتي هي التي تزعج البعض في الداخل ممن اعتادوا على التبعية للخارج؟».
وعن موقفه من احتمال دعوة رئيس مجلس النواب نبيه برّي الى عقد جلسة تشريعية تحت سقف «تشريع الضرورة»، يوضّح عون انّه يؤيد انعقاد مثل هذه الجلسة، ولو قبل تأليف الحكومة الجديدة، ما دامت هناك اقتراحات قوانين تستوجب عقدها.