في الاجتماع الذي عقد الأسبوع الفائت بين نواب من “لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط” النيابية وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، للبحث في أزمة قروض الإسكان، نسبت جهات صحافية الى الاخير “رفضه البحث في اقتراح تقدّم به أحد النواب ويقضي باقتطاع ضريبة من المصارف لتمويل الإسكان” وقوله ان “لا يوجد أفق إيجابي لحلّ الأزمة، إلا بفرض 5000 ليرة لبنانية على البنزين، وبزيادة ضريبة القيمة المضافة.”
الخبر تفاعل سلبا في الشارع اللبناني وأثار ضجّة وتململا واسعين، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي يتخبط فيه المواطنون.. غير ان التوضيحات التي صدرت عن بعض من شاركوا في الاجتماع حيث اشاروا الى ان الحاكم عرض الضريبة كأحد الخيارات لحل ازمة الاسكان لا أكثر، وعن وزير المال علي حسن خليل الذي اكد ان “لا ضرائب جديدة في مشروع موازنة 2019 والحديث عن زيادة على البنزين غير مطروح إطلاقاً”، ساهمت في تهدئة النفوس وتطويق السهام الشعبية والسياسية التي صُوّبت “عشوائيا” على المعنيين بمعضلة الاسكان ومعالجتها… وبحسب ما تقول مصادر مالية لـ”المركزية” فإن ما نشر في الساعات الماضية يصب في اطار الحملة المنظمة المتوالية فصولا منذ أشهر ضد حاكم “المركزي” وسياساته المالية لاسباب يختلط فيها السياسي بالشخصي، متوقفة عند مفارقة عجيبة تكمن في ان سلامة يحصد الجوائز بالعشرات على الساحة العالمية تقديرا لجهوده وهندساته التي مكّنت الليرة والقطاع المصرفي من المحافظة على ثبات واستقرار قل نظيرهما في الاعوام الماضية، رغم التوترات السياسية في الداخل والاوضاع الملتهبة في الاقليم، فيما يُحارب من “أهل بيته.”
وقد حاز سلامة، منذ ايام قليلة (الاربعاء الماضي تحديدا) على درجة “A” من بين 85 حاكم مصرف مركزي في العالم في تقرير عام 2018 لمجلة غلوبال فاينانس “Global Finance”، وهي من اهم المجلات الاقتصادية في العالم، وذلك للمرة الثالثة بعد ان كان حاز على هذا التصنيف سنة 2011 و2017.
لكن وبالعودة الى أزمة الاسكان، تشير المصادر الى ان سلامة يقاربها بواقعية وبراغماتية. فأمام الأرقام المتوافرة بين يديه، من الصعوبة بمكان النجاح في إعادة إطلاق قروض الاسكان الا بعد تأمين مصادر لتمويلها. وفي حين تؤكد بأن الحاكم لا يقفل الباب على اي خيارات في هذا الخصوص، خلافا لما يتم تسويقه، توضح المصادر ان الاقتطاع من أرباح المصارف قد لا يكون الخيار الامثل. فالقطاع المصرفي هو الوحيد الذي لا يزال اليوم في الداخل “واقفا على رجليه”، والواقع انه يصارع للإبقاء على متانته وصلابته، وإجراء من هذا القبيل قد لا يساعده في هذا التحدي.
كما ان ما يجدر التذكير به في السياق تضيف المصادر، أن الحكومة اللبنانية تعهّدت القيام بإصلاحات واسعة في مؤتمر “سيدر”، تشمل مكافحة الفساد واصلاح الجمارك وتحسين ادارة الاستثمار العام ودعم جهود مكافحة تبييض الاموال وتحديث قواعد استدراج العروض وتنفيذ قانون المياه واصلاح التعرفة المرتبطة بزيادة انتاج الكهرباء لترشيد الانفاق… اضافة الى اعادة التوازن الى المالية العامة من خلال خفض العجز من 10% من الناتج المحلي الى 5% خلال 5 سنوات. غير انه، وبدل الشروع في هذه الخطوات، تغرق البلاد في أزمة سياسية منذ أشهر تمنع تأليف حكومة.. فهل المطلوب من “المركزي” أن يحارب وحيدا وينتشل “الزير من البير”؟ الدواء لـ”العلل الاقتصادية” “سياسي” في الدرجة الأولى.