Site icon IMLebanon

“الشؤون” تكافح بـ”البروشورات” استغلال الأطفال المتسوّلين

كتبت إيلده الغصين في صحيفة “الأخبار”:

هي حملة لمكافحة استغلال أطفال الشوارع، عبر توعية المواطنين الى أهميّة «عدم تقديم المال للأطفال المتسوّلين» منعاً «للمساهمة في استغلالهم». هكذا أراد «المشروع الوطني لمكافحة التسوّل» التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية الحدّ من استغلال الأطفال في الشوارع!

«الحملة الوطنيّة» التي أطلقها «المشروع» الشهر الجاري، استكملها أمس بتوزيع ملصقات إعلانية و«فلايرز» و«ستيكرز» في شوارع عدة في بيروت وجبل لبنان، ورسائل عبر الهواتف النقالة.

انبثقت فكرة الحملة بعد الأرقام التي بيّنتها آخر دراسة أعدّها «المشروع» عام 2016، وأظهرت أن «76 في المئة من أطفال الشوارع سوريّون، و12 في المئة متعدّدو الجنسيات بمن فيهم فلسطينيّون، و8 في المئة لبنانيّون» وفق مديرة المشروع سيما منذر . عدد الأطفال المتسوّلين الذي تتحدث عنه منذر يقارب الـ «15 ألفاً» يتوزّع معظهم في بيروت والشمال، وهو ثلاثة اضعاف ما الرقم الذي أعلنته منظمة العمل الدولية في تقرير عام 2015 (خمسة آلاف). إذ أن «رقم المنظّمة أحدث لغطاً ولم يكن دقيقاً». دراسة «المشروع» خلصت إلى أن معدل عمل الأطفال في التسوّل يقارب «ثماني ساعات يومياً»، ومعدّل ما يجمعه الطفل في الساعة عشرة دولارات. على هذا الأساس، احتسبت أن كلّ «شاويش» (مشغّل) يشغّل «نحو عشرة أولاد»، ويجني «نحو 800 دولار في اليوم، أي 24 ألف دولار في الشهر»! بهذه البساطة احتسبت الدراسة أرقامها، واستنتجت أن الأموال التي يقدّمها المواطنون لمن يطرقون نوافذ سياراتهم عند أي تقاطع تذهب إلى «مستغلّي الأطفال» الذين يراكمون الأموال ويمعنون في استغلال هؤلاء وتشغيلهم.

كيف يقطع «المشروع الوطني لمكافحة التسوّل» طريق «الاستثمار» على المشغّلين؟ عبر «توعية» المواطنين بعدم تقديم المال للمتسوّل، واستبداله «بتقديمات عينيّة مثل الطعام». هذا جيّد، وكثر يختارون ذلك من تلقاء أنفسهم. لكن، ماذا بعد في جعبة الإدارات المعنيّة؟ كيف نحمي أولئك الأطفال من «الضرب المبرّح» إذا لم يجنوا المال المطلوب؟ لا شيء. «لا جمعيّات مخصّصة للاهتمام بأطفال الشوارع لأنّهم يحتاجون عناية خاصة، سوى جمعيّة واحدة» تقول منذر. والجمعيّة المقصودة هي «جمعية نادر للخدمة الاجتماعية المتخصصة» (مركزها البربارة ــــ جبيل)، وتتسلّم الأطفال بناء على طلب قاضي الأحداث. أما تسلّمهم من قبل وزارة الشؤون فيكون في حالتين: «بإشارة من قضاء الأحداث، أو إذا كان الولد مشرّداً كليّا ولا أهل له». علماً أن «تسعين في المئة من الأولاد في الشوارع لديهم أهل» تؤكّد منذر. لا جمعيات كافية لإيواء أطفال الشوارع، وصلاحيات «الشؤون» تجاههم محدودة. فيما تتهرّب القوى الأمنية من جمع الأطفال من الشوارع لغياب الجمعيات الحاضنة لهم، في حين أن لا مبادرة لملاحقة أهلهم أو العصابات المشغّلة لهم (المادتان 617 و618 من قانون العقوبات)، وهذا ما وضعه «المشروع» برسم قوى الأمن.

إذاً هي حلقة مفرغة، تبدأ بعدم إعطاء المال للمتسوّل ولا تنتهي بمعاقبة مشغّليه أو إيجاد المؤسسات الحاضنة له. أما في ما يخصّ تعديل القوانين المتعلّقة بتدخل وزارة الشؤون فذلك «من اختصاص المجلس الأعلى للطفولة» الذي وعد العام الماضي بالعمل على «تفعيل مناقشة اقتراح تعديل القانون 422 /2002 الخاص بحماية الأحداث».

بالتزامن مع المنشورات التي وزّعها أمس متطوّعون في مؤسسات أهليّة بالشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية في فردان وعين المريسة ومستديرة الكولا ومناطق عدّة، تدعو المواطنين إلى عدم «تقديم المال لعدم المساعدة في استغلال الأطفال»، تسعى الحملة الوطنية لمكافحة التسوّل إلى إقامة دورات للمساعدين الاجتماعيين في مخيّمات النازحين لنشر الوعي بين النازحين بـ«أن الطفل ليس معيلاً للعائلة، وحول تداعيات الزواج المبكر وتعدد الزوجات والإفراط في الإنجاب».

أما لناحية أن غالبية الأطفال الذين يتم تشغيلهم في التسوّل سورّيون، فإن الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل تلزم الدول الموجودين فيها حمايتهم، ولبنان وقّع الاتفاقية، لكنها مثل أي اتفاقية تحتاج إلى مراسيم تنفيذية وقوانين. وفي هذا الصدد، يشير إيلي مخايل عضو مجلس إدارة «المنظمة الدولية للطفولة»، إلى أن «مكافحة ظاهرة التسول مطروحة قبل تفاقم الأزمة السورية، والأرقام لم تختلف كثيراً بعدها، إذ أن الحدود كانت مفتوحة سابقاً وكان المتسوّلون بغالبيتهم من البدو الآتين من سوريا». ويلفت أمين عام المجلس الأعلى للطفولة سابقاً، إلى أن الظاهرة مرشحة للتزايد «خصوصاً بين الأطفال الفلسطينيين بعد أزمة تمويل الأونروا».

بين الحماية الاجتماعية المعنيّة بها وزارة الشؤون والحماية القضائية المعنيّة بها وزارة العمل، يبقى ثابت واحد «أن آليات الاستجابة لحقوق الطفل كاملة في لبنان غير فاعلة». كما أن اللجنة الدولية لحقوق الطفل أبدت ملاحظاتها حيال بطء المسار التشريعي في لبنان، وعدم التزام لبنان باتفاقية حقوق الطفل الدولية لناحية عدم انسجام قانون العمل معها.