Site icon IMLebanon

محاولاتٌ لإشعال الحرب أم إخمادها؟

كتب ايليا مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:

بعد يومٍ من تدمير طائرات «أف – 16» اسرائيلية، طائرةً عسكرية إيرانية جاثمة في مطار دمشق وعلى مدرجه وقتلتْ مُساعِد قائد الطائرة، أَسْقَطَ نظام الدفاع السوري خطأً طائرةَ مراقبة روسية من طراز IL-20M.

وبالتزامن مع إسقاط الطائرة الروسية، هاجمتْ الطائرات الاسرائيلية هدَفاً عسكرياً سورياً – إيرانياً حول مدينة اللاذقية الشمالية. وقد استجاب نظام الدفاع الجوي السوري مُسْقِطاً عدداً من الصواريخ وكذلك الطائرة الروسية عند استعدادِها للهبوط في مطار حميميم العسكري.

وجاء هذا التطور بعد ساعات من توقيع الاتفاق بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين على وقف معركة إدلب لمنْع تدمير قوات الجيش السوري من قبل أميركا. فمَن الذي يدْفع باتجاه الحرب ولماذا تمتنع روسيا وإيران عن الردّ على العديد من الاستفزازات في سورية؟

منذ أشهر وطبول الحرب تُسمع صداها في سورية بعدما حرر الجيش وحلفاؤه الجنوب بأكمله. وعندما توجهت القوات نحو ادلب الشمالية، وهي مدينة تحت سيطرة عشرات الآلاف من الجهاديين والمسلّحين التابعين لتركيا، هدّدت أميركا، ومعها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بقصْف سورية إذا استُخدمت القنابل الكيماوية ضد ادلب، الأمر الذي اعتبرَه الكثيرون تحضيراً لافتعال الذريعة المناسبة لتدمير القوة العسكرية السورية. وهذا هو المفتاح لأجوبة كثيرة تمنع ردات الفعل السورية – الروسية – الايرانية ضدّ اسرائيل وكذلك أحد أسباب اتفاق ادلب الجديد لوقْف الحرب موقتاً فيها.

وقالت مصادر في دائرة صناع القرار، إن «روسيا كانت قلِقة في شأن نيات أميركا وأوروبا لتدمير الجيش السوري. وأميركا تسعى الى تقويض سيطرة روسيا في سورية وتريد إشعال الحرب من جديد وعدم وضْع حدّ لها. وتهدف الصفقة التركية – الروسية (التي باركتْها دمشق وتَوصّل اليها بوتين وأردوغان بعد وساطات إيرانية متعددة) الى تأجيل معركة ادلب. وعلى مثال ما تستطيع أميركا فعله، التالي: استغرق الجيشُ السوري 3 سنوات لتأهيل مطار الشعيرات، ولأميركا ثلاث دقائق لتدميره وجعْله خارج الخدمة لثلاث سنوات أخرى. وأي ضربة أميركية للجيش السوري ستصفعه وتعطي حافزاً أكبر لـ 60000 الى 70000 من الجهاديين والمعارضة للاندفاع خارج إدلب ونحو حلب وغيرها فتتوسع الحرب». وباركتْ دمشق أجواء التهدئة وإعطاء المزيد من الوقت لأنقرة، إما لنزع سلاح الجهاديين او مهاجمتهم او دمْج العديد منهم مع وكلائها. وتستفيد الحكومة السورية من هذه الصفقة اذ تصرّ على سحب كل الأسلحة الثقيلة التي ستصادرها تركيا كما هو منصوص عليه في الاتفاق، والتي تقلّل الى حد كبير القدرة العسكرية للجهاديين والمعارضة.

وما لم يُعلَن عنه في الاتفاق ان بوتين واردوغان اتفقا على ان تضْمن تركيا ألا تحصل في ادلب اي مسرحيةِ هجومٍ كيماوي، وذلك لمنْعِ هجومٍ أميركي – أوروبي على سورية.

وتتوالى الأحداث في سورية، اذ يوم الأحد أطلقت اسرائيل صواريخها باتجاه طائرة شحن إيرانية جاثمة على مدرج مطار دمشق. ولم تُوجَّه الصواريخ ضد الطائرة نفسها بل وقعت بالقرب منها ما أدى الى اشتعالها بالكامل وإصابة مميتة لمساعِد الطيار. وهذا يُعتبر هجوماً غير مسبوق من اسرائيل، وهو الأول من نوعه ضد هدف مماثل في مطار دمشق منذ سنوات الحرب السبع في سورية.

ووفق صانعي القرار في سورية، فقد طلب الاسرائيليون من روسيا «منْع تَدفُّق الأسلحة من ايران الى حزب الله وسورية». وقد اجابت موسكو على تل ابيب – بحسب المصادر – ان «روسيا غير راغبة بالتدخل في هذا الصراع وانها ليست مستعدة لمراقبة تَدفُّق السلاح الى سورية من إيران وحلفائها».

وعندما طلبت إيران أن تتوقّف إسرائيل عن قصْف مواقعها و«حزب الله»، أجابت روسيا – وفق المصادر – بأنها غير معنية بهذا الصراع. لكن الأمور تغيرت بعد زيارة وزير الدفاع الإيراني لسورية واعداً بتسليحها بأحدث التقنيات بما فيها صواريخ مضادة للطائرات (امتنعت روسيا عن تزويد سورية بصواريخ الـS-300) والتي تشكل خطراً على الخروق الإسرائيلية. وهذا ما دفع إسرائيل بخطوة الى الأمام عبر ضرْب طائرات إيرانية جاثمة في مطار دمشق، وأي مصنع سوري يطوّر صواريخه بمساعدة طهران.

ووفقاً للمصادر عيْنها، فان «إيران سلمت سورية وحلفاءها ما يكفي من الصواريخ والتكنولوجيا بحيث لا تستطيع الطائرات الاسرائيلية تدمير قدرات سورية وحزب الله»، مؤكدة انه «حتى لو خسرت إيران 15 طائرة شحن، فان ذلك لن يمنعها من تزويد سورية وحزب الله بما يحتاجون اليه».

وبعد ساعاتٍ قليلة من صفقة ادلب الروسية – التركية، أَطلقتْ اسرائيل النار على منشأةٍ عسكريّةٍ سورية تعمل على تطوير القدرات السورية. وأصابت 4 صواريخ اسرائيلية الهدف وتم اعتراض صواريخ أخرى، وأصاب صاروخٌ سوري الطائرةَ الروسية اثناء مناورتها للهبوط على بعد 27 كليومتراً من بانياس حيث تمّ العثور على الحطام.

لقد دفعتْ روسيا ثمناً باهظاً لعدم رغبتها في فرْض نفسها كقوة عظمى في سورية وفشلها في منْع أي قوة خارجية، أميركية أو أوروبية أو اسرائيلية، من قصْف حلفائها في مسرح عملياتِ تحت سيطرة وتواجد قوات روسية. وهذا ما لم تفعله اميركا التي هاجمت وقتلت أكثر من مئة جندي سوري في جبال الثردة أيام حكم اوباما وقتلت المئات حول دير الزور والبادية بعدما اقتربوا من مناطق نفوذ اميركية. وكذلك قصفتْ اسرائيل أهدافاً سورية وأطلقت صواريخها فوق رؤوس روسيا كما فعلتْ أميركا قبلها عندما أطلقت صواريخ «توماهوك» ضدّ مطار الشعيرات.

ومن المتوقَّع ان يفرض إسقاط الطائرة الروسية على اسرائيل تنسيقاً تاماً مع روسيا – إذا قبِلت موسكو – والموافقة على كل هجماتها قبل ساعات من أي ضربة على أهداف في سورية، وهذا سيعطي دمشق وحلفاءها وقتاً كافياً لنصب الصواريخ المضادة والحدّ من الأضرار.

لقد دفعت روسيا ثمناً ولكن اسرائيل فقدت موقعها المميّز. وقد لا يتوقّف القصف الاسرائيلي على أهداف داخل سورية لأن اسرائيل تتمسك بـ «الدفاع عن أمنها القومي» لتبرير أي عمل عدائي، لكن الايام المقبلة ستشهد هدوءاً ستستغله إيران وحلفاؤها لإعادة وتمكين القدرات العسكرية.

لم توقف إيران وروسيا معركة ادلب لتتجنّب الحرب وتعلق في حرب ثانية إذا ردّت على الاعتداءات الاسرائيلية. ولن تعطي طهران وموسكو اي ذريعة لأميركا واوروبا واسرائيل للبدء بحرب جديدة حتى ولو ظهر هؤلاء ضعفاء أمام العالم.