IMLebanon

حقائق “كهربائية” مدوية!

اعتد التيار الوطني الحر طويلا بأن الحكومة عادت إلى خطة الكهرباء التي كان وضعها وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل، بعد معركة طويلة كان رأس حربتها رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل (الذي بادر إلى الكشف عن تفاصيل الخطة التي شملت اسم الشركة التركية كارادنيز المكلفة تأجير الدولة اللبنانية البواخر العائمة لاستجرار الطاقة) ، إضافة إلى حلفاء التيار وخصومه على السواء. فوقف ركنا سيبة العهد، التيار البرتقالي وتيار المستقبل في مواجهة القوات اللبنانية والمردة وحزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي التي لم تتوان عن رفع صوت الاحتجاج على الخطة العونية بوصفها مشوبة بالفساد.

مواجهة انضمت إليها بطبيعة الحال إدارة المناقصات، التي ينص القانون على دورها في الرقابة على دفتر الشروط، وهي بادرت إلى رد دفتر الشروط هذا 3 مرات كونه لا يتيح مجال المنافسة في إطار مناقصة شفافة، وهو ما اعتبر مؤشرا إلى ما سماه معارضو الخطة “دفتر شروط مفصلا على قياس الشركة التركية”، ما يعزز الشبهات في شأن الخطة. غير أن قراءة متأنية لمسار الأمور تفيد بأن الصيغة الجديدة لدفتر الشروط الكهربائي غير مطابقة لقرار مجلس الوزراء الرقم 84 والمتخذ في خلال الجلسة الأخيرة لحكومة “استعادة الثقة”، والتي عقدت في 21 أيار 2018 في القصر الجمهوري، قبل يومين من بداية ولاية مجلس النواب الجديد، بعد انتخابات 6 أيار. وهذا يعني أن الحكومة لم تتخلص من معضلة الكهرباء بعدما أغدقت على اللبنانيين وعودا بتأمينها على مدار الساعة، من باب حل سريع وطارئ هو الركون إلى البواخر. والعين تبقى على الحكومة الجديدة، أملا في التوصل إلى دفتر شروط جديد مطابق للقانون ولملاحظات دائرة إدارة المناقصات، علّ حلم الكهرباء يتحول حقيقة.

وفي استعادة لمسار خطة الكهرباء وما آلت إليه الأمور منذ انعقاد الجلسة الحكومية الأخيرة حتى اللحظة، أشارت مصادر مطلعة على الملف لـ “المركزية” إلى أن “مجلس الوزراء اتخذ قرارا نص على إعادة إطلاق مناقصة الكهرباء مجددا، مع الأخذ بالملاحظات التي وضعتها إدارة المناقصات وعلى أساس فتح الخيارات في ما يتعلق بالبر والبحر والاستجرار، أي تكون احتمالات المنافسة موجودة.  وهذا يعني عمليا أن يكون خيارا البواخر والمعامل المقامة على البر متاحين، إلى جانب الاستجرار (أي جلب الكهرباء من مكان آخر)”.

وتفيد المصادر نفسها أن بعد صدور هذا القرار، وصل إلى إدارة المناقصات دفتر شروط من وزارة الطاقة، فتبين من مطابقة المستندين (القرار ودفتر الشروط) أن خيار البر لا يزال على حاله، بحيث أن دفتر الشروط ينص على أن من المفترض أن يؤمن العارض الأرض، ويدفع تاليا تكلفتها، غير أنه لا يمكن قيام منافسة بين شخص سيستفيد من البحر لتأمين الكهرباء، وآخر يتعين عليه أن يؤمن الأرض اللازمة وهو أمر يتطلب موافقة وزير الطاقة”.

وفي هذا الاطار، توضح المصادر “أننا بذلك نكون أمام شروط إضافية، وهذا يمنع قيام المناقصة بشكل سليم”، لافتة إلى أن في ما يخص خيار استجرار الطاقة، قال المعنيون إن كلمة “استجرار” وردت استطرادا ضمن القرار ولا علاقة لها به”.

وفي ما يتعلق بما وضع في خانة “التقنيات المختلفة”، يوضح مطلعون على ملف خطة الكهرباء لـ “المركزية” أن قرار مجلس الوزراء ينص على “فتح الخيار أمام كل التقنيات”، لكنهم ما يزالون يعتبرون (في دفتر الشروط) أن على العارض أن يقدم عرضه على أساس الفيول الثقيل  (HFO)، وإذا أحب تغيير نوع الفيول المستخدم، عليه أن يقدم طلبا تعرضه الوزارة على مجلس الوزراء”، معتبرين أن “هذا يعني عمليا أننا لا نزال أمام الصيغة نفسها لدفتر الشروط، وهو لا ينطبق إلا على خيار البحر (أي البواخر) لأن الباب فتح نظريا أمام سائر الاحتمالات وكل أنواع المحروقات لكننا محصورون يخيار واحد.

إلا أن مصادر تحرص على التأكيد أن هذا المسار المطبوع بالسلبية لا يخلو من نقطة ضوء وحيدة. ذلك أن المعنيين أخذوا بملاحظات دائرة المناقصات لجهة مدة تقديم العقود التي مددت لتصبح شهرين ونصف الشهر، بعدما كانت المهل غير منطقية كـ 10 ايام في مرحلة معينة، كما تحولت مدة التنفيذ إلى 9 شهور، بعدما كانت بين 3 و6 شهور في مراحل سابقة”.

وعن التأمين الموقت، تفيد معلومات “المركزية” بأنه لا يزال عند 50 مليون دولار، فيما ينص القرار الحكومي على الأخذ بملاحظات إدارة المناقصات في هذا الشأن، وتشير المعلومات إلى أن الأخيرة حددت هذا التأمين بـ 20 مليون دولار، علما أنه يهدف إلى تأكيد جدية العارض في خطوته، وإذا ارتفع كثيرا، فإن من شأنه أن يضعف فرص المشاركة الواسعة في المناقصة”.

إلا أن المشكلة في ملف الكهرباء لا تتوقف عند هذا الحد، فبحسب مصادر مطلعة، طلبت إدارة المناقصات إجراء المقتضى القانوني بعدما اكتشفت عدم تطابق القرار الحكومي مع دفتر الشروط، فكان أن طلب إلى مدير عام رئاسة مجلس الوزراء تفسير القرار الحكومي، واعتبر أنه واضح، فطلبوا منه إصدار تفسير يناقض ملاحظات إدارة المناقصات، التي اعتبرت أن المدير العام لمجلس الوزراء ليس المرجع الصالح لتفسير القرارات، فيما من المفترض أن تبادر الحكومة إلى تعديل قراراتها في ضوء قرار دائرة المناقصات”.

أمام هذه الصورة، تؤكد مصادر مراقبة لـ “المركزية” أن “هذا المشهد دليل جديد إلى صوابية موقف دائرة المناقصات، خصوصا أنها طبقت القانون وتمسكت به حتى النهاية، بدليل أن باخرة “إسراء” التي يعتد الجميع بكونهم نجحوا في استقدامها لمد قضاءي كسروان والمتن بالكهرباء لا تستطيع أن تعطى أكثر من 60% من الاحتياجات الكهربائية لأن الشبكة لا تستطيع استيعاب أكثر من هذه النسبة. وهذا يعني أن إدارة المناقصات أنقذت الدولة من غرامات كانت ستتكبدها الدولة اللبنانية لأن لو استأجرت 800 ميغاوات (طبقا لما تنص عليه خطة وزير الطاقة) لم نكن لنتمكن من ربط البواخر على الشبكة، فيما ينص دفتر الشروط على أن في حال لم يعط العارض أمر المباشرة بالعمل خلال مهلة 10 أيام، يحق له فسخ العقد ليبدأ بعدها سريان مفعول الغرامات على الدولة اللبنانية”.