كتب رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:
إقدام بلدية الغبيري على ترجمة قرار لها بتسمية شارع في الضاحية الجنوبية باسم مصطفى بدر الدين، المتهم باغتيال زعيم السنّة رفيق الحريري، في هذا التوقيت، مع بدء المرحلة الأخيرة من عمل المحكمة الدولية التي ستنصرف إلى المذاكرة، تمهيداً لإصدار الحكم في الجريمة السياسية التي وصفها الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصر الله ذاته بـ «الزلزال الكبير»، لا يمكن قراءته إلا من زاوية تأزم وضع «الحزب» في بيئته، وحاجته إلى شدّ عصب جمهوره، وأقصر الطرق هو باللعب على الوتر المذهبي.
«حزب الله» الذي يقول إنه لا يُعير اهتماماً لما سيصدر عن المحكمة من أَحكام، والذي سبق أن أطل أمينه العام مُعلناً أنه لن يُسلّم المتهمين، يُدرك أن حجم الضغوط يتزايد عليه. لن يُغيّر حكم المحكمة – إذا حمل إدانة للمتهمين – من سلوكه بقدر ما سيُشكّل من إدانة سياسية ومعنوية له للتاريخ تترافق مع المسار الانحداري العام للمشروع الإيراني في المنطقة، والذي سيترك تداعياته حكماً على وضعه وقوته مستقبلاً.
فالدور الإقليمي لـ «الحزب» بوصفه ذراعاً عسكرية إيرانية، والذي شهد مرحلة صعود في السنوات الماضية بدأ بالعد العكسي، ويواجه وراعيه الإقليمي تحدياً هو الأصعب، منذ الثورة الإسلامية الإيرانية، في ضوء استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتضييق الخناق على إيران في ساحات الصراع المفتوحة باستخدام السلاح الاقتصادي الذي أضحى أشدَّ فتكاً من السلاح العسكري.
ستكون الفترة المقبلة فترة قاسية جداً على إيران وأذرعها، فالولايات المتحدة ماضية في رفع مستوى ضغطها الاقتصادي الذي يصل إلى مرحلته الأقسى مع الرابع من تشرين الثاني المقبل، موعد بدء تنفيذ العقوبات على تصدير النفط الإيراني. فالشركات العالمية، أياً كانت، ستُدرَج على لائحة العقوبات الأميركية إذا تعاملت مع إيران في المواد المحظورة.
وهذا الأمر سيطال حكماً الشركات اللبنانية، وفق اللغة الحازمة التي سمعها وفد من «اللوبي اللبناني» التقى مسؤولين في مجلس الأمن القومي والخارجية والكونغرس، وهو مفتوح، مع اشتداد المواجهة، على صدور حزمة جديدة من العقوبات عن وزارة الخزانة ضد أفراد وكيانات مرتبطة بإيران و«حزب الله».
في الاستنتاجات التي خرج بها «اللوبي اللبناني»، والذي كان في عداده الأمين العام للتحالف الأميركي – الشرق أوسطي الديموقراطي طوم حرب، أن لبنان ليس على «الرادار الأميركي» إلا من زاوية العقوبات، فواشنطن تنظر إلى أن رئيس الجمهورية جزء من المنظومة الإيرانية، بينما مَن يُفترض أنهم حلفاؤها السياسيون، الذين كانوا يشكلون في ما مضى قوى «الرابع عشر من آذار»، ضعيفون في ظل هيمنة «حزب الله» على لبنان، سياسياً وعسكرياً، وكل ما يعنيها راهناً الحفاظ على المؤسسات الأمنية التي يدعمونها، وبالتالي لن تكون هناك فرصة لتبدّل المعادلات في لبنان إلا مِن باب تبدّل المعادلات في المنطقة. ومن هنا ينصبّ الاهتمام على المواجهة الاقتصادية المباشرة مع إيران بغية تجفيف مصادر الأموال التي تمدّ بها أذرعها العسكرية الخارجية بهدف إجبارها على العودة إلى داخل حدودها، والحدّ من تمدّد نفوذها إلى دول الجوار والتدخل في شؤون المنطقة.
والموقف الأميركي الرافض للوجود الإيراني في سوريا يجد ترجماته العملية في الغارات الإسرائيلية التي وسّعت استهدافاتها لتطال قواعد ومخازن أسلحة إيرانية، وطوّرت عملياتها الأخيرة امتداداً إلى اللاذقية لتطال مؤسسة الصناعات التقنية التي قالت إسرائيل أنه كان مخططاً أن يتمّ منها نقل أنظمة لإنتاج أسلحة دقيقة وقاتلة إلى إيران و«حزب الله» في لبنان.
فاستهداف تلك المنشأة للجيش السوري في «عاصمة روسيا في سوريا»، وفق وَصف أحد منظري المحور السوري – الإيراني، هو رسالة إلى النظام الذي ارتكب الخطأ القاتل، حسب رأي أحد المعارضين السوريين البارزين، حين وقّع وثيقة تعاون دفاعي وتقني مع إيران قبل أسابيع، التي أراد منها أن يُؤكّد تماهيه والتصاقه بالقوات الإيرانية وتوفيره لها الغطاء كوحدة متراصة مع الجيش.
وفيما كان النظام وإيران و«حزب الله» يتحضرون لخوض معركة إدلب بغطاء من السلاح الجوي الروسي، جاءت التسوية الأمنية الروسية – التركية حول إدلب لتظهر «فرملة» للموقع الإيراني والميليشيات التابعة له والنظام «العاجز» الذين كانوا يظنون أن معركة إدلب ستشكل ورقة جديدة تُعزّز امتداد نفوذهم وتأثيرهم على المسرح السوري، وتجعل منها ساحة يُمكن من خلالها تسجيل نقاط لصالحهم في المواجهة مع أميركا.
واشتداد المواجهة على الساحات الأخرى لا يقل حراجة. في اليمن، حيث دخلت معارك الحُديدة فصلاً جديداً من الضغط على الحوثيين عبر قطع خط الإمداد الرابط مع صنعاء، وكذلك في العراق، بالرغم من التسوية الأميركية – الإيرانية التي مالت لمصلحة طهران، مع وصول المرشح السني المدعوم من الحشد الشعبي التابع لسلطة قاسم سليماني، إلى رئاسة البرلمان، وتوقع انسحابها على رئاسة الحكومة، فإن الساحة الشيعية تشهد غلياناً يمكن أن ينفجر في أي لحظة في ظل عملية سياسية هشة لا تشي بالقدرة على التصدّي للمشاكل الداخلية، خصوصاً إذا لم تنجح في توفير دعم خليجي ودولي.
هذه التحوّلات الضاغطة التي تؤشر على أشهر صعبة، وسط احتدام الصراع، حيث يُشكّل «حزب الله» جزءاً منها، تجعله في موقع الحَـذِر داخلياً، لا سيما وسط بيئته الشيعية التي وإن كانت تدين له بالولاء، لكنها بدأت ترسل إشارات الامتعاض من ضيق الحال، في ظل تنامي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع منسوب القلق لديها، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مرامي اتخاذ خطوات كخطوة شارع مصطفى بدر الدين، وما إذا كانت البلاد على أبواب الدخول في مرحلة جديدة من التوترات الطائفية؟.