لم يكن ينقص الساحة اللبنانية المصابة بشتى انواع “فيروسات” الازمات السياسية والعابقة بروائح الصفقات والفضائح المتناسلة على تنوعها من الكهرباء الى النفايات فالمطار، سوى افتعال ازمة على مستوى من الخطورة كتلك التي تسببت بها تسمية شارع باسم مصطفى بدر الدين المتهم الابرز والمشرف على التحضير لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وعلى تنفيذ العملية مع 4 متهمين آخرين من “حزب الله”، وفق مرافعات الادعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الاسبوع الماضي. ذلك ان تداعياتها في هذه اللحظة، على ابواب نطق المحكمة بحكمها، قد لا تقتصر على بعض السجالات على غرار ما يحصل بين وزارة الداخلية وبلدية الغبيري صاحبة المبادرة التي انخرطت فيها الى حدّ الاستماتة بعض الاقلام الاعلامية متبنية القضية، بل تتعداها ربما الى الشارع مهددة بفتنة مذهبية تضع استقرار البلاد برمته على المحك.
وفي حين خرج وليّ الدم الرئيس سعد الحريري عن صمته امس فقابل التحدي بتحذير من الفتنة التي تتهدد شريحة واسعة من اللبنانيين اعتبروا انفسهم مستهدفين مباشرة برفع اسم المتهم بجريمة هزت لبنان والمنطقة في وجههم، اذ قال “هناك أشخاص يريدون أخذ البلد إلى مكان آخر وعليهم ان يتحملوا مسؤولية ذلك. هناك من يتصرف بعقلانية وهناك من يتصرف في شكل فتنوي. نحن نتحدث عن إطفاء الفتنة أما هذا الأمر فهو الفتنة بحد ذاتها”، استغربت مصادر سياسية اقدام حزب الله في هذا التوقيت على خطوة “استفزازية” يعرف سلفا المدى الممكن ان تبلغه، في مقابل موقف الرئيس الحريري العقلاني والمسؤول تجاهه من امام المحكمة، حينما قال رداً على سؤال عما إذا كان سيمد اليد الى”حزب الله” أنه “عندما يكون الإنسان في موقع المسؤولية يجب أن يضع مشاعره جانبا.”
وتقول ان سلوك الحزب منذ ثلاث سنوات حتى اليوم دلّ الى حرصه على الاستقرار والابتعاد عن المواجهات وتوتير الساحة الداخلية وترطيب الاجواء، فما الذي استجد حتى قرر التصعيد فجأة على نحو من شأنه ان يطيح الاستقرار، ذلك ان فعله قد يواجه بردة فعل على مستوى الشارع السني تعيد الامور الى حقبة 7 ايار، فهل المطلوب، تسأل المصادر، كسر “الجمود” على مستوى ازمة الحكم والحكومة بتسخين الوضع لحمل الجميع على العودة الى الحوار والتواصل على غرار ما جرى في الدوحة، بعدما ثبت ان الحل “عالبارد” غير متاح، ام ان الحزب وتلبية لرغبة “الولي الفقيه” قرر ربط لبنان بساحات المنطقة عن طريق جرّه الى صدامات داخلية لتوجيه رسائل اقليمية ودولية قد تنجد ايران من ازمتها الخانقة؟
واذ ترى المصادر ان وزير الداخلية نهاد المشنوق ومن خلال “تجاهل” طلب بلدية الغبيري المقدم منذ عام قد يكون اخطأ في التقدير باعتبار ان مجرد حفظه يعني تجاوزه، تلفت الى خطورة انتقال حزب الله من مربع صون الاستقرار والاكتفاء بالمواقف ازاء المحكمة الدولية من خلال شيطنتها واتهامها بالعمالة الى ترجمة هذه الشيطنة على ارض الواقع بخطوات عملية تدلّ الى غياب حسّ المسؤولية في هذا الوضع بالذات وتدفع البلاد نحو مرحلة سياسية جديدة تحكمها المواجهة المفتوحة بين فريق يتحدى في العلن فريقا آخر من خلال الاصرار على تسمية شارع باسم متهم بجريمة “ارهابية” فيما الطرف المعني بها مباشرة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، فكيف تولد الحكومة والحال هذه وهل يكون التصعيد من اجلها ام انه ابعد من حدود لبنان؟ والى اي مدى قد تصل المواجهة، فيما لو قررت وزارة الداخلية ازالة اللافتة الموضوعة في الغبيري؟ اسئلة تنتظر طبيعة ردة الفعل بعدما حدد حزب الله “فعله” ومضى.