كتب علي نون في صحيفة “المستقبل”:
لم تكن تكفي رئيس سوريا السابق بشار الأسد أخبار قمة سوتشي الروسية – التركية «السيئة جداً» بالنسبة إليه، حتى اكتمل نهاره بليله من خلال إسقاط دفاعاته الجوية البدائية في عالم اليوم وتقنياته، الطائرة الروسية الآتية إلى قاعدة حميميم.
لكن الخبر ليس في عمومياته بل في تفاصيله الغريبة والمرعبة والتي تبدو كأنها آتية من زمن مضى وخصوصاً أيام الحرب العالمية الثانية، وليست حاصلة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين!
ومن باب غير اختصاصي أو تقني أو عسكري، بل من نافذة المراقبة العمومية، يمكن طرح بعض الأسئلة البسيطة عن قصّة إسقاط الطائرة العسكرية الروسية بركابها الـ14، بواسطة منظومة صواريخ روسية من الجيل الثاني هي أس – 200.
كيف يمكن طائرة تابعة للقوى الجوية الروسية، أن لا تلحظ في رادارها وجود طيران حربي أو مدني خلال رحلتها إلى الشمال السوري؟! وقبل وصولها إلى مسافة الـ35 كيلومتراً عن حميميم؟! وكيف لها أن لا تلحظ بعد ذلك خروج صواريخ أرض – جو باتجاهها بما كان سيسمح لها بإطلاق مقابل التمويه الحرارية المعروفة؟!
ثم الأخطر من ذلك. كيف أمكن للمنظومة الدفاعية الجوية في قاعدة حميميم، التي تضم صواريخ أس – 400 الموصوفة بأنها الأحدث من نوعها (في العالم!) والتي مثلما هو معروف، لا تبيعها موسكو بسهولة أبداً، والتي سبّبت الصفقة في شأنها مع أنقرة، توتراً أميركياً وصل إلى عنان السماء والى حدّ التهديد بإلغاء تزويد الأتراك صفقة طائرات حربية حديثة «عقاباً لهم على شططهم الروسي»..
كيف أمكن لتلك المنظومة، أن لا تحذّر الطائرة الآتية من موسكو مسبقاً إلى وجود «أجسام» غريبة في مدار طيرانها؟! وهي، تلك المنظومة الدفاعية، على ما يقول الخبراء والعلماء والضليعون، قادرة على تغطية مدارات ومجالات تقاس بمئات الكيلومترات، بل أكثر؟!
ثم كيف أمكن بيان وزارة الدفاع الروسية أن يقول، من ضمن ما قاله أن الطائرات الإسرائيلية تلطّت أو تستّرت خلف الطائرة الروسية لتنفيذ غارتها على اللاذقية؟! هل تحتاج طائرة «اف – 16» الأميركية إلى ذلك التلطّي كي توجّه صواريخها إلى أهدافها؟! وهل حصل على مدى عشرات الغارات الجوية الإسرائيلية التي جرت طوال المرحلة الماضية وتخطّت المئتي غارة في غضون 18 شهراً! ان «استعانت» الطائرات المغيرة بتمويه طائر كي تصيب أهدافها؟! أليس صحيحاً، أن تلك الطائرات تستطيع أن ترمي هدفاً في الشمال السوري، من داخل أجواء فلسطين المحتلة؟! ولا تحتاج أصلاً إلى اختراق الأجواء اللبنانية والسورية لتفعل ذلك؟!
الجواب (الافتراضي!) وتكراراً، غير المبني على علم عسكري اختصاصي، هو أن منظومة الدفاع الروسية برمّتها في قاعدة حميميم الكبيرة والمحمية جيداً، كانت»مُطفأة«سلفاً على ما يبدو قبل الغارة الإسرائيلية وخلالها في سياق التنسيق المسبق المعلن والمعروف بين القاعدة الروسية وغرف عمليات الإسرائيليين، والذي يتضمن الإبلاغ المسبق عن كل طلعة طيران من قبل الطرفَين منعاً لوقوع حادث عرَضي مشابه تماماً للذي وقع ليل الإثنين – الثلاثاء عند شواطئ اللاذقية!!
بهذا المعنى يُفهم غضب وزارة الدفاع الروسية واتهامها الإسرائيليين بارتكاب عمل عدائي.. باعتبار أن موسكو كانت تفترض أن راداراتها المطفأة والمغلقة كانت تقابلها رادارات مفتوحة من قبل الطيران الإسرائيلي الذاهب في مهمة قصف! وأن هذا الطيران كان قادراً على «الأخذ في اعتباره» وجود طائرة عسكرية آتية من روسيا في مجال عمله! وكان يُفترض من باب «احترام الصداقة» وشروط التلاقي المصلحي والاستراتيجي بين الطرفين أن لا تُنفّذ الغارة خلال المرحلة الأخيرة من رحلة هبوط الطائرة الروسية إلى مطار حميميم؟!
طبعاً إسرائيل أعلنت اعتذارها لكن ذلك لا يخفّف من وطأة المرارة التي أظهرتها موسكو إزاء هذا «الغدر» ولا أسبابه طالما أن الطرفَين «احترما» على مدى المرحلة السابقة دواعي التنسيق بينهما! و«مصالحهما» المشتركة في المدار السوري بما سمح لإسرائيل بالتصرف على هواها واستهداف «كل ما تراه مناسباً» لها ولمقتضيات «أمنها» من دون أي منغّصات!
هل انزعجت إسرائيل من اتفاق سوتشي الخاص بإدلب؟! تماماً مثلما انزعج حُكماً رئيس سوريا السابق بشّار الأسد؟! وهل أرادت بهذه الحركة الغادرة إيصال رسالة الانزعاج إلى»صديقها” الروسي أم أرادت التأكد أكثر فأكثر من انعدام كفاءة بقايا قوات الأسد؟! أم إبلاغه مجدداً أنها قادرة على التلاعب به وبمصيره كيفما تشاء وبأي طريقة تشاء؟! أم ماذا؟