كتبت راجانا حمية في صحيفة “الأخبار”:
أربع سنواتٍ ونصف سنة استغرقها صدور القرار الظني بدعوى اختلاس موظفة في نقابة الأطباء في بيروت خمسين مليون ليرة. الموظفة المؤتمنة على المال العام ظُنّ بها سارقة سنداً للمادة 672 عقوبات. لكن، يبقى السؤال عن موظفين آخرين وقضايا فساد أخرى في «بيت» النقابة، تنتقل من عهد نقيب إلى آخر من دون تصل إلى عتبة القضاء
فصل آخر من فصول الفساد يفتح باب «مغارة» نقابة الأطباء في بيروت مجدداً. فبعد القضية المفتوحة أمام القضاء بحقّ المديرة الإدارية في النقابة ن. ح، قطعت قضية موظفة أخرى، متهمة باختلاس اشتراكات الأطباء العائدة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، نصف طريقها القضائي. إذ صدر أخيراً قرار عن قاضي التحقيق في جبل لبنان، كمال نصار، يطلب بموجبه «محاكمة المدعى عليها (ص. خ.) أمام القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا»، بعد «الظنّ بها بجنحة المادة 672 عقوبات» (الحبس من ثلاثة أشهرٍ إلى ثلاث سنوات).
هي، ربما، من المرات القليلة التي يصل فيها ملف موظّف فاسد في النقابة إلى هذا الحدّ قضائياً. إذ أن غالبية ملفات الفساد نادراً ما تخرج لسببين رئيسيين، «أوّلهما الحماية التي عادة ما تأتي من فوق، وثانيهما الخوف من الفضيحة التي قد تجرجر رؤوساً أخرى غير الضالعين مباشرة»، على ما يؤكد طبيب يملك «خبرة» طويلة في هذا المجال. هذه المرة، سلك القضاء مجراه بعد وصول اعتراض الأطباء المتضررين داخل النقابة حدّا لا مجال للسكوت معه، فكان قرار النقابة رفع دعوى ضد الموظفة بتهمة «الإستيلاء على 50 مليون ليرة لبنانية من أحد الصناديق» في الشهر الأول من عام 2014.
في تفاصيل القضية التي تعود مجرياتها إلى عام 2013، اختلست المتهمة 50 مليون ليرة وصرفتها بدل قرضٍ شخصي مسجّل باسم زوجها وقرض لشراء سيارة ولتغيير مطبخ منزلها. وفي نصّ القرار الذي تسلمه مجلس النقابة في 19 الشهر الجاري، تفضح اعترافات المتهمة بعض نواحي الفساد في الجسم النقابي. إذ أنها كانت تعمل مساعدة إدارية للمسؤولة عن مكتب تسهيل خدمات الضمان الاجتماعي للأطباء المنتسبين للنقابة، فكانت تقبض اشتراكات الأطباء على أن تدفعها للضمان بواسطة مندوبين في اليوم نفسه أو في اليوم التالي. وكانت مقابل ذلك تعطي الأطباء إيصالات، تبين في ما بعد أنها «إيصالات مؤقتة»، ما يعني أن الأمور جرت على «الثقة». بعد مواجهة بينها وبين المسؤولة عن المكتب والمدير الإداري، اتهمت الموظفة رئيستها بمحاربتها «كوني أملك معلومات كثيرة عنها كالصفقات المالية التي تجريها مع شركة التأمين». لكن هذه حكاية أخرى. واعترفت بأنها تصرّفت بالأموال، لكنها نفت ان تكون قد سرقت، بل «استعارت» المبلغ كي تسدّد ديونها، على أن تعيده عندما يحين تاريخ استحقاقه للصندوق! وتعهّدت إعادة المبلغ كاملاً في غضون شهر. وفي هذا الإطار، يشير المحامي في الدائرة القانونية في النقابة، ميشال ريشا، إلى أن «الموظفة المتهمة أعادت المبلغ، لكن الدعوى أكملت مسارها». وتحدث عن «مبالغ أخرى يتم التدقيق بها»، خصوصاً أن مبلغ الخمسين مليوناً ليس الوحيد الذي قد تكون اختلسته الموظفة التي تركت عملها بعد يومٍ واحدٍ من اكتشاف أمرها وعادت إلى حياتها الطبيعية. سرقت، وهو فعل موثّق بأدلة واعترافات، فيما أخلى القضاء سبيلها عقب خمس ساعات من التحقيق، على عين القانون والنقابة، ليعود بعد أربع سنوات ونصف الى تجريمها. وهذا نموذج عن كيفية التعاطي مع ملفات الفساد، وعن واحد من ملفات كثيرة «تبيت» في غرف المحاكم القضائية سنوات، قبل أن تخرج. وفي أحيانٍ كثيرة، لا تخرج.