كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
تملأ السجالات السياسية الوقت الحكومي الضائع، متنقلة من محور الى آخر، في انعكاس للمأزق الحاد الذي وصلت إليه مفاوضات التأليف.
وإذا كان الخوف على مصالحة الجبل «المرهفة» قد دفع «التيار الوطني الحر» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» الى لجم التصعيد الاعلامي والسياسي المتبادل، بعدما كاد يعيد نبش قبور الماضي الأليم، فإنّ حماية المصالحة المسيحية لم تشكل حتى الآن حافزاً كافياً لـ»التيار» و»القوات اللبنانية» لوقف الاشتباك الكلامي بينهما، والنزول عن خطوط التوتر العالي.
ويؤشّر الخط البياني للمواقف الصادرة عن كل من «القوات» و«التيار» الى صعوبة تحقيق تهدئة صلبة قبل الانتهاء من «الضم والفرز» حكومياً، وترسيم الحدود الوزارية بين هاتين القوتين المسيحيتين. وما يزيد الأمور تعقيداً هو انّ علاقتهما الراهنة باتت محكومة بالهواجس والارتياب، في ظل أزمة ثقة عميقة نشأت على أنقاض «اتفاق معراب» الذي انتهت مدة صلاحيته.
ويقول مصدر قيادي في «التيار الحر» لـ«الجمهورية»: «انّ الحوار السياسي متوقف حالياً بين قيادتي «التيار» و«القوات»، لأنّ الوزير جبران باسيل يرفض تجزئة المسائل المترابطة، بينما تطرح «القوات» حصر النقاش في ملف تشكيل الحكومة، بحيث تأخذ منّا ما تريد ثم تواصل سياسة الطعن، وهذا ما نرفضه كلياً، فـ«اتفاق معراب» هو كلٌ لا يتجزّأ «وهناك حاجة الى مراجعة عميقة وشاملة لتجربة تطبيقه، تتجاوز حدود المطالب الحكومية».
ويرى المصدر «انّ مشكلة سمير جعجع تكمن في انه يرى حجمه كما يتمنّاه وليس كما هو في الواقع»، مشيراً الى «انّ وزن «القوات» يساوي 15 نائباً يعادلون 3 وزراء على قاعدة وزير لكل 5 نواب، ونقطة على السطر، فلماذا كل هذا اللف والدوران والتشاطر في الحسابات؟».
ويؤكد المصدر «انّ «التيار الحر» هو الذي قدم تنازلاً حقيقياً من اليوم الاول للمفاوضات عندما وافق على ان تتمثّل «القوات» بـ4 وزراء، أما القول انّ جعجع تنازل من 6 وزراء الى 5 ثم 4 فلا معنى له، لأنّ أيّاً كان يستطيع ان يبالغ و«يشطَح» في العدد الذي يطلبه ثم عندما يعود الى حجمه الموضوعي يدّعي انه قدم تسهيلات، بينما ما فعله عملياً هو انه باع الآخرين من كيسهم وتنازل عمّا ليس حقاً له في الأساس».
ويعتبر المصدر «البرتقالي» انّ «فرضية تنازل «القوات» تصحّ في حالة واحدة وهي أن تقبل، على سبيل المثال، بوزيرين بدلاً من 3، «إذ عندها فقط تكون قد تراجعت عملياً عن جزء من حصتها المشروعة، امّا سوى ذلك فليس سوى مناورات وتنازلات وهمية».
ويستغرب المصدر ان تفترض «القوات» انها «قدمت تضحية بالتخلي عن نيابة رئيس الحكومة»، لافتاً الى انّ رئيس الجمهورية هو الذي يُسمّي في العادة من يشغل هذا المنصب، «لكنّ الرئيس ميشال عون بادرَ عند تشكيل الحكومة في المرة السابقة الى تجيير موقع نائب رئيس الحكومة لـ«القوات» إنسجاماً مع «اتفاق معراب»، ترجمة لحرصه على إنجاح هذه التجربة، امّا وانهم انقلبوا على الاتفاق لاحقاً فإنه أراد استعادة ما أعطاهم إيّاه».
وتساءل المصدر: «إذا حصل أن استعار أحدهم سيارة ثم أرجعها الى صاحبها، هل يكون قد تنازل لأنه أعاد الحق الى صاحبه؟». وشدد على «حق رئيس الجمهورية وتكتل «لبنان القوي» في الحصول على حقيبتين سياديتين، وعندما يصبح تكتل «القوات اللبنانية» هو الاكبر على الصعيد المسيحي يستطيع ان يطالب بحقيبة سيادية، ومع ذلك فإننا تجاوزنا هذا الاعتبار ولم نمانع في أن ينالوا واحدة ضمن الحكومة المقبلة، إلّا انه تبيّن أنّ أحداً لا يوافق على ذلك، وفي حال كان سمير جعجع يصدّق حقاً انّ الجميع معه في مطلبه فهذه مشكلة كبرى، لأنّ الحقيقة معاكسة».
ويضيف المصدر البارز في «التيار»: إذا كان جعجع يعتبر انّ علاقته جيدة مع الجميع وانّ باسيل ضد الجميع، فكيف يصبح هو المُحاصَر ونكون نحن من يحاصره؟ إلا إذا كنّا قوة خارقة. على كلٍ، صحتين على قلبه، لكنه لن يتأخر كثيراً قبل ان يكتشف أنه مخطئ في تقديراته». ويشير الى «انّ جعجع المستغرق في حساباته التكتيكية يرتكب خطأ استراتيجياً وفادحاً عندما يرفض احتساب حصة وزارية مستقلة لرئيس الجمهورية ويصرّ على دمجها في حصة «التيار»، الأمر الذي يشكّل أكبر فضيحة، «وليس هناك من دليل أوضح من ذلك على مخالفة جعجع لجوهر تفاهم معراب».
ويلفت المصدر القيادي في «التيار» الى انّ «أهمية الحصة المنفصلة لرئيس الجمهورية تكمن في انها تعزّز صورة الرئيس القوي وقدراته»، متوجّهاً الى جعجع قائلاً: «كفى نحراً للعهد وموقع الرئاسة وحقوق المسيحيين من أجل نَيل مكاسب صغيرة وعابرة».
ويرى المصدر «انّ جعجع قرر ان يعود الى المربع الأول في التفاوض، في حين اننا تقدّمنا خطوة الى الأمام من خلال المشاورات المستمرة بعد الصيغة الحكومية التي رفعها الحريري الى عون».