قد يكون من حظ الرئيس المكلف سعد الحريري أن “الثنائي الشيعي” بادر باكرا إلى تحديد مطالبه في الفريق الوزاري العتيد، تاركا لسائر القوى السياسية خوض حرب تناتش ما بقي من حصص حكومية، طالت شظاياها أروقة الادارات الرسمية وبات بعض الموظفين يدفعون ثمنها من مصدر رزقهم. قال الثنائي الشيعي كلمته ومشى عائدا إلى موقع المتفرج على الحلفاء والخصوم تصدع المحاصصة علاقاتهم في ما بينهم، بدليل ما قاله مرات عدة الرئيس نبيه بري (الذي غالبا ما يشغل منصب “الممثل الشرعي الرسمي” للثنائي الشيعي) عن أنه يتدخل في فكفكة العقد الحكومية عندما يطلب إليه ذلك. على أن هذا التموضع المغلف بصمت ثقيل لا ينفي حاجة حزب الله الملحة إلى قيام حكومة يكون حاضرا ومشاركا فيها في أقرب الآجال، بما يمكنه من مواجهة سلسلة من التحديات الكامنة له على مفترق التطورات الاقليمية ذات المدلولات السياسية المهمة، خصوصا على وقع ترقب تطبيق اتفاق إدلب السورية، كما على المنعطف الدولي، حيث المحكمة الدولية تستعد لإصدار الحكم النهائي.
وإذا كانت سلة العقوبات الأميركية الجديدة على ايران والحزب أول التحديات التي تتبادر إلى الذهن، فإن أوساطا مطلعة تشير عبر “المركزية” إلى أن الرزمة الجديدة من العقوبات ستكون أشد ايلاما من تلك التي أقرت في مراحل سابقة، في ضوء سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتشددة تجاه ايران وأذرعتها المالية في الشرق الأوسط، ما يفسر حاجة الضاحية إلى حكومة تكون بمثابة المظلة التي قد تخفف وطأة هذا “القصاص” الذي سيبادر إليه المجتمع الدولي من البوابة الأميركية قريبا.
ولا يختلف إثنان على أن الولايات المتحدة ليست الوحيدة المصممة على “تقليم أظافر ايران وحلفائها” في المنطقة، بل إنها تلتقي على هذا التوجه مع اسرائيل. وفي هذا الاطار، تنبه مصادر مراقبة إلى أن الدولة العبرية تستغل المماطلة في تشكيل الحكومة اللبنانية لتنفيذ مخططها الدائم القائم على استهداف الحزب، وهو ما يمكن التقاط اشاراته من الرد الاسرائيلي السريع على خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، حيث دعاه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى “التفكير 20 مرة قبل شن حرب على تل أبيب”. وفي هذا الصدد، تشير المصادر إلى أن الحزب لن يتمكن من مواجهة العدو من دون حكومة تدافع عنه في المحافل الدولية، كما حصل عامي 1996 و2006 ، حيث كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس فؤاد السنيورة الصوتين المدافعين عن لبنان في الأروقة الدولية.
إلى هذه الصورة، تضيف المصادر ترقب الحزب للحكم النهائي الذي تستعد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان للفظه قريبا، وإن كان السيد نصرالله أعلن سابقا أنه لا يعترف بالمحكمة ولا بما يصدر عنها، معتبرة أن رفع السقوف هذا، معطوفا على الاقدام على إطلاق اسم المتهم مصطفى بدر الدين على شارع قريب من مستشفى رفيق الحريري الحكومي في الغبيري، لا ينفي أن الضاحية تخشى ارتدادات الحكم على بيئة الحزب، بما يفسر الحاجة إلى مشاركة الحزب في فريق وزاري يقود سفينته سعد الحريري شخصيا ليؤمن له غطاء شرعيا يواجه به القضاء الدولي الذي لم يتوان عن وضعه في قفص الاتهام.
غير أن هذه العوامل ذات الطابعين الاقليمي- الدولي، لا تنفي أن الواقع المحلي، لا سيما في شقه الاقتصادي يضغط في اتجاه التشكيل، حيث تشير المصادر إلى أن الضاحية باتت اليوم في وضع لا يسمح لها بتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي إذا وقع فعلا. تبعا لذلك، تتوقع المصادر أن يبادر الحزب إلى إبلاغ رئيس الجمهورية ميشال عون في الحاجة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لمد لبنان بالشرعية التي يحتاجها لمواجهة التحديات المقبلة.