كتبت ناتالي اقليموس في “الجمهورية”:
ينطلق الاثنين قطار العام الدراسي في المدارس الرسمية على طريقة «بالموجود جود»، المقاعد في الثانويات تكاد لا تكفي الطلاب الوافدين إليها من المدارس الخاصة، المدراء مُربكون بآلية تشعيب الصفوف، فيما الروابط التعليمية والاساتذة حتى اللحظة الاخيرة واصلوا اعتصاماتهم وتلويحهم بالتصعيد وتعطيل العام، بينما وزير التربية والتعليم العالي مروان حماده، حاول عبثاً امتصاص غضب المتعاقدين في اجتماع عقده أمس بعيداً من الإعلام: «أوّل أسبوع بتتوَضّح الصورة الأولية ومنعمل تقييم لنسبة الطلّاب المسجّلين والحاجة للمتعاقدين. سنُبقي على كل العقود، وممنوع التعاقد مع أساتذة جُدد!».
«كمَن يبيع سمكاً في البحر». هذه كانت المحصّلة التي خلُص إليها متعاقدو التعليم الثانوي والاساسي، الذين يُناهز عددهم الـ 15 الف متعاقد، حيال ما سمعوه من وعود وتطمينات بعد سلسلة من الاعتصامات والتحركات وقطع الطرق.
في التفاصيل
منذ العاشرة صباحاً بدأ متعاقدو التعليم الثانوي بالتوافد إلى أمام وزارة التربية لتعليق اليافطات والشعارات على أسوار مدخلها الرئيس، ومنها: «يا نوّاب الأمة أنصفوا من أنصَفته الشرائع وغنّت لعظمته الحناجر- المعلم المتعاقد»، «تحريك قانون تثبيت المتعاقدين مسؤوليتك يا دولة الرئيس»، فيما توكّل أحدهم تثبيت مكبّرات الصوت على جانبي البوابة ورفع الأغاني الوطنية والاناشيد لجمع الحشود.
«غداً سندخل إلى الصفوف بساعات تدريس معدودة لا تكفي لتأمين لقمة عيش أولادنا، ولا شيء في جعبتنا إلا الوعود، أين نصرفها؟ في أي مصرف؟». الحديث نفسه على ألسنة المتظاهرين الذين انتشروا على الحافّة امام عتبة الوزارة. تهتف إحدى المعلمات وفي مقلتيها الدمعة: «بعد هيدا العمر وسنوات الخبرة، «عم نتجَرجَر» على الطرقات، لقطع الطريق على كل من يحاول سحب البساط من تحت أقدامنا، ليس نحن من نُرمى خارجاً بعدما لبّينا نداء الدولة ورفعنا مستوى التعليم الرسمي».
من جهتها، عبّرت المعلمة غنى الكوش لـ«الجمهورية» عن صرخة المئات من المتعاقدين المتضررين، والذين يعزّ عليهم اللجوء إلى الاعتصامات عند أبواب العام الدراسي، فقالت: «التصعيد على بُعد يومين من بدء العام الدراسي هو لمنع إلغاء أي عقد من عقودنا، والمؤسف أنّ القرار الذي صدر عن الوزير مروان حماده، بحماية المتعاقدين، لم ينفذ، فبعض الاساتذة رُمي خارجاً. كما أنّ أمره بتشعيب الصفوف في الثانويات، لم ينفّذ، وكلما واجهنا المدراء في المدارس يقولون إنهم لم يتبلغوا شيئاً». وأردفت: «هل من المعقول أن يتم تقاذف ملفنا؟».
لوقف التآمر علينا
مع اقتراب الساعة الحادية عشرة موعد الاعتصام، بدأت تتكثف التعزيزات الامنية في محيط الوزارة، إلى أن دقت ساعة الصفر، ووقف المتظاهرون كتفاً إلى كتف معلنين منذ اللحظة الاولى أنهم «يرفضون مقابلة اي مستشار من الوزارة، إنما الوزير حماده شخصياً، مؤكدين اتجاههم إلى قطع الطريق». ما إن ترددت هذه العبارة على مكبّرات الصوت، حتى تدخلت فرقة مكافحة الشغب واحتاطت للأمر، وتمّ اتخاذ تدابير سير منعاً لاحتجاز المواطنين في سياراتهم.
حفظ العقود والساعات والعمل على تثبيت المتعاقدين، شكّلت أبرز المطالب التي دعا إليها رئيس الحراك حمزة منصور بإسم المعتصمين، وقال: «على الدولة أن تتحمّل مسؤوليتها وتمنع أي تآمر على المتعاقدين، بعدما تمّ احتساب ساعات المتعاقدين ضمن حاجات الوزارة، فخسر بذلك المتعاقد ساعاته. واليوم أكثر من 100 متعاقد لا ساعات ولا عقود لهم». وأضاف: «المؤسف أنّ الدولة «مش فارقا معها» ومعظم المسؤولين ينهمكون بسفراتهم». وطالب «بردّ المنتدبين من التعليم الأساسي إلى الثانوي، الذين ينهمكون في احتساء القهوة والتلهّي»، فسأل: «أين التفتيش من هؤلاء؟».
لم يكد منصور يُنهي كلمته حتى توجّه المتعاقدون ومعهم رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الاسمر لقطع الطريق أمام الوزارة. «إذا صوتنا ما وصل زمامير المواطنين بتوصَل»، على حد تعبير إحدى المعلمات، وغيرها من المعتصمين الذين يُراهنون على «انّ البعض يجلس في الوزارة أمام المكيّفات في مكتبه ولا علم له أو دراية بواقع الاساتذة في الشارع».
دام قطع الطريق نحو 10 دقائق، قبل أن تتدخل القوى الامنية لفتحها. إلّا أنّ المعلمين بَقوا «ع فَرد نفس»، يطالبون برؤية حماده، إلى أن أتى الضوء الأخضر، «معاليه ينتظركم في مكتبه».
كواليس الاجتماع
قرابة الثانية عشرة والربع بعد الظهر توجّه الوفد إلى الطابق 15 حيث استقبلهم حماده. بداية، أعربَ المعلمون عن غضبهم بسبب عدم التزام بعض الموظفين القرار الصادر عن حماده بحفظ عقود وساعات جميع المتعاقدين، غامزين إلى انّ القرار «بقي عالقاً في الطابق التاسع من الوزارة، وكأنّ هناك من يريد تَطفيشنا». كذلك، نقلوا له رفضهم إلحاق المتعاقد الثانوي بالأساسي، وطالبوه بإصدار قرار يعفي الأساتذة المتعاقدين من رسوم تسجيل أبنائهم في الثانويات والمهنيات الرسمية.
حيال رزمة المطالب، وأوّلها التثبيت من دون شرط السن، دَوّن حماده ملاحظاته، وأجرى بعض الاتصالات الفورية محاولاً إخماد النيران في صدور المتعاقدين، فأعطى توجيهاته للإدارة التربوية في الوزارة للحفاظ على ساعات التعاقد، لاسيما أنّ هناك حاجة للمتعاقدين في العديد من الثانويات بسبب الشُعَب الجديدة التي يمكن أن تنشأ. وأخذ حماده أسماء المتعاقدين الملغية عقودهم وأعدّ رسالة إلى مديرة التعليم الثانوي. وحاول حماده طمأنة المجتمعين إلى أنّ إدارة التعليم الثانوي لم تلغِ أي عقد ثانوي، كما أطلعهم على العمل، من خلال لجنة التربية النيابية، على اقتراح قانون لتثبيتهم بمباراة تتخطّى شرط السن لتثبيت الناجحين.
وبانتظار ما سيتكشّف عن الاسبوع الاول من انطلاق العام الدراسي، سيبني المتعاقدون «على الشيء مقتضاه».