كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
تركت مواقف رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في الساعات الأخيرة من موضوع العقدة الدرزية ردّ فعل إيجابيّاً، واعتبر معنيون في عملية التأليف أنّها فتحت «ربع فتحة» على حلّ هذه العقدة. ومع الأخذ بعين الاعتبار الشروط التي حدّدتها، وهوية الوسيط الذي سيتولى إخراج هذه العملية، قد تشكّل «خريطة طريق» إلى فكفكة العقد الأخرى. فما الذي يقود إلى هذه المعادلة؟
في الوقت الذي لا ينتهي فيه تعداد العقد الداخلية والخارجية التي حالت دون أن يتمّم الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة مهمته، فتحت تصريحات رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في اليومين الماضيين الطريق، ولو ضيّقاً، الى احتمال تفكيك «العقدة الدرزية» وتوفير المخرج الممكن لها، واضعاً خطوته تحت عنوان «التحجيم الذاتي» للحزب التقدمي مقابل وزارات وازنة، ورابطاً أيّ خطوة يمكن التوصّل إليها بأمرين مهمّين:
– أوّلهما يتصل بوجود «طروحات جدّية»، وحينها يمكن لأيّ طرف أن يكون «مستعدّاً للتسوية في سبيل مصلحة البلاد… فليعرضوا وسنفكّر».
– وثانيها يتصل بهوية الوسيط الذي يمكن أن يدير التسوية توصلاً الى هذا المخرج. وإن لم يسمّه جنبلاط فقد كان واضحاً أنّه يفوّض، أو يرغب بأن يكون رئيس مجلس النواب راعياً لمثل هذا التفاهم، بعد تشكيكه بقدرة الرئيس الحريري على ترجمة موقفه «الداعم» للحزب. فهو من قال انّه لم يرَ حتى اللحظة ايّ صدى ايجابيّ لهذا الدعم المعلن» وقد لمّح الى ذلك قائلاً: «عندما تتبخّر الوعود بحقائب وازنة». لافتاً الى انّ مجرّد استبعاد أيّ من وزارتي الصحّة او الأشغال عن حصّته الدرزية في ايّ تشكيلة رفعها الرئيس المكلف يُتَرجَم في هذا الإطار.
وعليه، فقد رأت مصادر متابعة لمواقف جنبلاط الأخيرة انّ تقدّمه بسلسلة المقترحات الأخيرة لتفكيك ما سمّي بـ «العقدة الدرزية» – رغم نفيه وجود مثل هذه العقدة – له ما يبرّره، ومن المحتمل ان تقود في حال عبرت كلّ مراحلها المقررة الى فتح الطريق على مخرج ما يخفف من عدد العقد التي تعيق ولادة طبيعية للحكومة.
وعليه قالت المصادر، انّ توجه جنبلاط الذي كرّسه في مواقفه الأخيرة يلتقي مع مجموعة المساعي المبذولة للخروج مما سمّي «نفق» المواجهة المفتوحة بين «الحزب التقدمي» من جهة والعهد و«التيّار الوطنيّ الحرّ» من جهة أخرى. فالمتابعون يدركون خطورة ما بلغته حرب «الإبعاد» الإدارية التي شهدتها وزارتي التربية والبيئة ومؤسسة كهرباء لبنان من انعكاسات سلبية في بعض المناطق الحساسة عبّرت عنها موجات التهجّم المتبادلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت الذي بردت فيه المواجهة الإدارية بعدما سلكت «طريقها الحكومية والإدارية» الى الحلّ، ثمّة مخاوف من وجه جديد للصراع بين الطرفين بدأت بوادره تظهر من خلال الحوادث المتفرّقة التي هدّدت السلم الأهلي في بعض المناطق وخصوصاً في الشوف وعاليه. وجاءت الحادثة التي شهدتها بلدة كفرنبرخ لتعطي نموذجاً محتملاً في حال بقيت الحرب دائرة بين الطرفين. فرفع وإزالة ثمّ رفع لوحة تذكارية تحيي ذكرى المرحوم رفيق جابر أحد مناصري الحزب في إحدى ساحات بلدة كفرنبرخ الشوفية كادت أن تؤدي الى خلاف داخلي بين أبنائها المسيحيين والعونيين منهم بشكل خاص والدروز. وهو ما عُدّ انذاراً مبكراً بالكثير المتوقع من أحداث مشابهة في البلدة ومحيطها، وهو ما لا يريده أحد لا جنبلاط ولا غيره من أبناء المنطقة.
وما عزّز المخاوف، ما جاء في التقارير الأمنية التي رفعها جهاز أمني موثوق الى المراجع الرسمية عن مخاوف من أحداث محتملة تعيد اجواء التوتر الى الجبل. إلّا أنّ رئيس الجمهورية طلب من قيادة «التيّار الوطنيّ الحرّ» وقف الحملات على «الحزب التقدمي» فوراً ولاقاه وليد جنبلاط بالخطوة عينها، ما أسفر عن لجنة مشتركة تعمل برعاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على تسوية الخلافات على جميع المستويات ووضع حدّ لها بكلّ وجوهها ومنع تفاقمها بأسرع وقت أيّاً كان الثمن، على أن يجهد الطرفان لتدارك الأسوأ.
وانطلاقاً مما تقدم يبدو للمطّلعين على الكثير من التفاصيل انّ جنبلاط قد اتّخذ قراره بفكّ العقدة الدرزية ضمن سقوف وضوابط لا تسمح بايّ انتصار لغيره من القيادات الدرزية. فبادر الى خطواته الأخيرة تسهيلاً لمهمة تشكيل الحكومة إن كانت هذه هي العقدة الأساسية التي تحول دون اتمام المهمة. وهو الى جانب استعداده لتحجيم دوره لن يقبل بأن يقطفها أحد غيره من الدروز.
ويظنّ جنبلاط أنّ البلاد لا تحتمل ما هو متوقع من أزمة اقتصادية قد تؤدّي الى اهتزاز مالي لا يتحمله اللبنانيون في الظرف الراهن وانّ مخرجاً من هذا النوع سيؤدي ايضاً الى فكفكة عقد أخرى ومنها العقدة المسيحية التي تتجه فيها الأمور الى تشكيل لجنة مشتركة أخرى من «التيّار الوطنيّ الحرّ» و«القوات اللبنانية» برعاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم تعمل على البحث عن قواسم مشتركة تسهّل عملية التأليف وتلجم اجواء التوتر بين الطرفين من اجل الوصول الى تهدئة الوضع في البلاد بما يسمح بإعادة البحث بالتشكيلة «المنقّحة» لآخر الصيغ «المبدئية» التي رفعها الرئيس المكلّف الى رئيس الجمهورية في السابع من أيلول الجاري.
وفي المعلومات المتوفّرة انّ البحث في الأزمة الحكومية انتقل في الساعات الأخيرة الى تشكيلة من 24 وزيراً تنهي الخلاف حول الحصص والأحجام بمعادلة جديدة ودقيقة تنهي ما يسمى بالعقدتين المسيحية والدرزية وأزمة تمثيل «نواب سنة 8 آذار» لمجرد التفاهم على تشكيلة يبحث فيها بعد عودة الرئيس عون من نيويورك لتكون مخرجاً لمعظم العقد المطروحة. فهل تنجح المساعي المبذولة من اجل التفاهم على مخرج من هذا النوع؟ وإن يكن الجواب منذ هذه اللحظة صعباً فإنّ الأيام المقبلة ستشهد على إمكانية الخروج من المأزق بالصيغة الجديدة وانّ الأيام المقبلة ستعطي الإشارة باحتمال التفاهم حولها، وإلّا سيكون على الجميع ان ينتظروا تفاهمات أخرى تؤدّي الى الحلّ الممكن من دون ايّ موعد محدد من اليوم.
من جهة أخرى، كشفت صحيفة “الأنباء” الكويتية عن انه يتم التداول بثلاثة أسماء لتولي منصب رئاسة الأركان (الذي يشغر في 6 تشرين الاول المقبل مع بلوغ اللواء حاتم ملاك سن التقاعد)، وهم العمداء أمين العرم (المدعوم من جنبلاط)، هشام ذبيان وغازي عامر. وتشير مصادر الى أن العميدين العرم وذبيان هما من الدورة نفسها للعام 1985 وتنطبق عليهما المواصفات، وإن كانت الأقدمية لصالح العرم، وتتوافر فيهما الشروط، في حين أن عامر هو عميد جديد قد تقف رتبته في الوصول الى رئاسة الأركان، علما أن أهالي حاصبيا يطالبون بإنصافهم بتعيين رئيس أركان من منطقتهم، إذ إن غالبية رؤساء الأركان كانوا من قضاءي الشوف ـ عاليه.
وتقول المصادر ان مهادنة جنبلاط للعهد والطلب من أنصاره وقف الحملات، قد تكون رسالة لتمرير تعيين مرشحه، مع العلم أن التعيين يستلزم قرارا من مجلس الوزراء.