في مراسم إحياء ليلة العاشر من محرم في باحة عاشوراء في الضاحية الجنوبية، أطل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عبر الشاشة، متحدثا في السياسة الدولية والإقليمية والمحلية. خطابه يومذاك لم يخرج عن المعهود والمألوف في سياسة الحزب المعتمدة منذ نحو ثلاث سنوات والمرتكزة إلى المهادنة والدعوة إلى التهدئة تثبيتا للاستقرار.
بيد أن غير المألوف، كما تقول مصادر سياسية لـ”المركزية”، تمثّل في مطالبته “القوى السياسية اللبنانية بغالبيتها بألا تنأى بنفسها عما يجري في سوريا لأن مصير لبنان يصنع في ساحات المنطقة”، متسائلا: “هل إن لبنان مفصول فعلا عن أحداث المنطقة؟ إن ما يجري في المنطقة هو شأن مصيري لكل اللبنانيين، وهو أكثر أمر مرتبط بحاضرهم ومستقبلهم…وماذا لو أن “داعش” سيطر على سوريا، ما كان مصير لبنان”؟
تستغرب المصادر دعوة نصرالله هذه التي لا ترى فيها سوى ابتداع ذرائع لاستمرار انخراط الحزب عسكريا في الساحات العربية الملتهبة وتبرير خرقه سياسة النأي التي أعلن في أكثر من مناسبة التزامه بها، بدءا من “إعلان بعبدا” الذي أجمع المشاركون في هيئة الحوار الوطني برئاسة الرئيس ميشال سليمان بمن فيهم الرئيس نبيه بري وممثل “حزب الله” عليه، وصولا إلى جلسة مجلس الوزراء التي شهدت إجماعا من الأعضاء بمن فيهم وزراء الحزب على اعتماد سياسة النأي بالنفس والالتزام بها كشرط لعودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته في تشرين الثاني الفائت وعلى هذا الأساس تمت التسوية، وبادرت فرنسا على الإثر إلى الدعوة لعقد ثلاثة مؤتمرات لدعم لبنان، إلا أن “حزب الله” كعادته تراجع عن الالتزام وواصل القتال في الساحات العربية تنفيذا للأجندة الإيرانية في المنطقة.
ومع أن بري أحد قطبي “الثنائية الشيعية”، وكما قال عام 2013، هو من ابتدع سياسة النأي بالنفس في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لمنع لبنان من الانزلاق في الصراعات الخارجية، إلا أن القطب الثاني لم يحوّل التزامه يوما إلى فعل، وبقي مصرا على جرّ لبنان إلى المحور الإقليمي في مواجهة الدول العربية.
إزاء هذا الواقع، وأمام تكرار الدعوات وتحديدا من بري لإلغاء الطائفية السياسية تطبيقا لاتفاق الطائف، تشير المصادر إلى استحالة بلوغ هذا المنال، ما دام فريق من اللبنانيين يأبى التزام النأي بالنفس، إذ كيف يُعقل أن يقبل سائر اللبنانيين بإلغاء الطائفية السياسية في وقت يدفع هذا الفريق لبنان عنوة نحو المحور الفارسي المذهبي المعادي للعرب. وتلفت إلى أن إلغاء الطائفية يبدأ من نقطة التزام تحييد لبنان والتشدد في تطبيق سياسة النأي بالنفس والابتعاد عن المحاور ليعود لبنان إلى تبني المعادلة الاستقلالية الميثاقية التي قام على أساسها عام 1943، أي أن “لبنان مع العرب إذا اتفقوا وعلى الحياد إذا اختلفوا”. هذه المعادلة التي وضعها رجالات الاستقلال، بشارة الخوري ورياض الصلح، تفترض العودة إليها والتمسك بها، إذ أثبتت التجربة على مدى سبعة عقود أن لبنان كلما ابتعد عنها، تعرض إلى هزات وانتكاسات سياسية.
وتعتبر أن ما تضمنه “إعلان بعبدا” الذي تم التوصل إليه خلال عهد الرئيس سليمان لجهة التزام سياسة النأي بالنفس والابتعاد عن الصراعات الخارجية وعدم الدخول في المحاور، لا بد وأن يشكل المدخل الرئيسي لولوج لبنان إلى حقبة إلغاء الطائفية السياسية.
وتؤكد المصادر أن عدم التزام “حزب الله” بأجندة لبنان وتقديم مصلحة “الولي الفقيه” عليه، والأمثلة أكثر من أن تحصى، يشير بوضوح إلى أن “الثنائي الشيعي” غير راغب في إلغاء الطائفية السياسية في لبنان على رغم مواقفه العلنية الداعية إلى ذلك، أو في الحد الأقصى يريد إلغاء الطائفية وفق مشروعه الخاص، أي ما يناسبه من هذا الإلغاء.
وتختم: إن الشرط الأساس للولوج إلى إلغاء الطائفية يبدأ بتطبيق “إعلان بعبدا” الذي بات وثيقة من وثائق الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، وفي ما خلا ذلك، ستبقى كل الدعوات حبرا على ورق.ذ