كتب جوني منير في صحيفة “الجمهورية”:
ليس بالأمر العادي توزيع الإعلام الإسرائيلي صور القصر الرئاسي السوري ملتقَطة من الجوّ، ولا بطبيعة الحال العملية الأمنية التي طالت الحرس الثوري الإيراني خلال العرض العسكري في الأهواز. ويمكن إضافة إسقاط الطائرة الروسية ومقتل ركابها الجنود الـ15.
صحيح انّ خطأ كان وراء استهداف الطائرة بالدفاعات الجوية السورية، لكنّ النتائج التي تسعى موسكو لفرضها قد تؤدّي الى تعديل في القواعد العسكرية المتّبعة والتي كان قد كرّسها اتفاق الجنوب السوري.
كلّ تلك الصورة تبدو نافرة وتحمل في بعض جوانبها رفعاً إضافياً لمستوى الضغوط الأميركية على طهران، التي رفضت مؤخّراً عرضاً أميركياً جديداً بالجلوس حول طاولة مفاوضات للتفاهم على كامل الملفّات العالقة.
ومستوى الضغوط الجديدة يؤشّر باتّجاه تهديد النظام الإيراني وأيضاً النظام السوري.
في الأهواز الرسالة كانت واضحة لناحيتين: الأولى استهداف الحرس الثوري خلال عرض عسكري، مع إدراك الجميع بأنّ عصب النظام وسياجه هو الحرس الثوري.
والثانية منطقة الأهواز حيث السكان من أصول عربية، والذين يحتفظون بعلاقات مضطربة مع الأغلبية الفارسية الحاكمة، حيث صراع القوميات هو الصراع الأساسي والحسّاس داخل إيران.
كما انّ نشْر إسرائيل صور القصر الرئاسي في دمشق يحمل رسالة عرض قوة إسرائيلية، وتهديداً مبطّناً بأنّ حياة الأسد تحت مرمى الطائرات الإسرائيلية، خصوصاً وأنّ نشر هذه الصور جاء بعد الكشف في الولايات المتحدة الأميركية عن طلب الرئيس الأميركي من وزير دفاعه اغتيال الأسد. لكنّ ماتيس تجاهل طلب ترامب.
كلّ ذلك يعني انّ واشنطن ترفع مستوى ضغوطها عبر توجيه رسائل تهديد بالعمل على تغيير الأنظمة مرّة للرئيس السوري عبر إسرائيل، ومرّة أخرى لنظام الملالي في طهران عبر صندوق بريد الحرس الثوري من خلال المخابرات المركزية الأميركية والرجل المسؤول عن ملف ايران والمعروف باسم مايك أو «أمير الظلام».
لكن قبل ذلك لا بدّ من نظرة سريعة على آخر المستجدّات الأميركية الداخلية التي ستؤثّر وبشكل كبير على السياسة الخارجية لإدارة ترامب.
في العادة، لم تكن الانتخابات النصفية في الولاية الأولى للرئيس الأميركي لتؤثّر بهذا القدر على سلوكه السياسي خصوصاً في مسائل السياسة الخارجية. لكنّ الوضع هذه المرّة مختلف كليّاً مع رئيس يعاني كثيراً ممّا يشبه «انتفاضة» عدد من المؤسسات الأميركية ورجالها على استمرار ترامب في موقع رئاسة وإدارة شؤون البلاد.
في العادة الرئيس يكون في ذروة قوّته وهو لم يمض على وجوده في البيت الأبيض سوى سنتين فقط. لذلك مثلاً كان فريق ترامب قد اتّخذ قراراً بالابتعاد عن المعارك الانتخابية وعدم الغرف فيها للنأي بالإدارة الأميركية عن تأثيرات نتائجها.
لكن الوضع اختلف مع تقدّم التحقيقات خطوات الى الأمام ووقوف المحقّق مولر عند باب المكتب البيضاوي: وهو ما ترافق مع كلام كثير حتى داخل إدارة ترامب حول ضرورة عزله، والبدء بهذه الإجراءات بعد الانتخابات النصفية. لذلك عدل ترامب عن قراره واندفع في قلب المعركة. وخلال الأيام الماضية كانت ابنة الرئيس الأميركي إيفانكا تقوم بجولة انتخابية في تكساس.
المهمّ من كلّ ذلك ما كشفه ديبلوماسي مطّلع على خفايا السياسة الأميركية، قال بأنّ ترامب سينتظر نتائج الانتخابات النصفية ليبني عليها سياسته. فإذا كانت النتائج مرضية فسيستمرّ في المسار نفسه ، وإن لم تكن كذلك فإنّه سيشرع فوراً في إدخال تعديلات جذرية على سياسته الخارجية التي شكلت محطة انتقاد لا بل سخرية داخل المؤسسات الأميركية.
آخر هؤلاء هو وليم بيرنز نائب وزير الخارجية الأميركي السابق والخبير في شؤون الشرق الأوسط، الذي قال: «الإدارة الأميركية تبالغ في رهانها بأنّ العقوبات الاقتصادية التي تفرضها على إيران ستُجبر الإيرانيين على الخضوع والذهاب الى طاولة المفاوضات كما حصل سابقاً».
واعتبر أنّ الإدارة الأميركية أخطأت عندما تخلّت عن الاتفاق النووي، فهذا خطأ فادح.
ووصف بيرنز السياسة المتّبعة حاليّاً بالسياسة الغبيّة «لأنّنا عزلنا أنفسنا عوضاً عن الإيرانيين، خصوصاً وأنّنا في عزّ الحرب الاقتصادية مع الصين، والتي من الصعب تصديق أنّها ستخفّض استيرادها للنفط الإيراني».
وفي الواقع كانت إيران قد باشرت بإبراز مخالبها لاسيّما في العراق. فبعد تحريك الشارع من خلال بعض شيعة العراق ضدّ إيران وإحراق القنصلية الإيرانية في البصرة، جرى إطلاق 3 صواريخ من عيار 107 ملم وصاروخ من عيار 122 ملم باتجاه مجمع السفارات في بغداد.
وكذلك جرى استهداف القنصلية العامة الأميركية الواقعة قرب مطار البصرة بوابل من الصواريخ.
الرسالة كانت واضحة وكانت لتعيد استذكار صور ما حصل في لبنان في ثمانينات القرن الماضي.
وفي سوريا قد لا يكون من باب الصدمة أن يعطي الاتفاق حول إدلب بين موسكو وأنقرة موعداً لمراجعته في النصف الثاني من تشرين الأوّل. ذلك أنّه في مطلع تشرين الثاني ستحصل الانتخابات النصفية الأميركية والتي ستؤشّر نتائجها الى السلوك السياسي الخارجي للإدارة الأميركية.
ففي اتفاق إدلب منطقة عازلة خالية من السلاح بعمق يتراوح بين 15 – 20 كلم وهو ما يحقّق أمن القواعد الجوية والبحرية الروسية في طرطوس وحميميم.
كذلك هنالك التزام تركي بنزع السلاح الثقيل للنصرة، والجماعات المتطرفة التي عليها الانسحاب الى قلب المدينة. وستشكّل تركيا ضمانة لمنع أيّ تهديد كان للقواعد الروسية.
وسيسمح الاتفاق بفتح الطريق الذي يربط بين حلب واللاذقية وكذلك الطريق الذي يربط بين حلب وحماه.
وفي النصف الثاني من تشرين الأوّل موعد إعادة فتح ملف إدلب ستُطرح الأسئلة حول العلاقة بين واشنطن وأنقرة.
فقبل أيّام من الانتخابات النصفية ستدخل العقوبات الأميركية الجديدة على إيران بشأن تصدير النفط حيّز التنفيذ في وقت تستورد فيه تركيا ما يزيد عن نصف احتياجاتها من البترول الخام من إيران.
وفي تشرين الثاني ستتسلّم تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية الأكثر تطوّراً في العالم S-400، وإثر ذلك سيحدّد الكونغرس الأميركي مصير صفقة طائرات الـF-35 مع تركيا.
لذلك تحتفظ روسيا باستعداداتها العسكرية حول إدلب وأقلّه أجواء الساحل السوري أمام إسرائيل، فيما تقدّمت مجموعات «حزب الله» وانتشرت على خطوط التماس في مواجهة المسلحين في إدلب بانتظار تشرين الثاني.