كتبت راجانا حمية في صحيفة “الأخبار”:
«حارت» بلدية بيروت، ثم «دارت» وعادت إلى العقار الرقم 1925 (حرج بيروت). فبعد موجة الاعتراض التي طاولت «ورشة» لإنشاء مبنى للمديرية العامة للأمن العام في جزء من العقار لجهة الطيونة، وإدانة المجلس البلدي «القطع العشوائي للأشجار»، وقرار المحافظ زياد شبيب «وقف الأعمال فوراً»، رغم أن الأشغال كانت تستند الى قرار صادر عنه عام 2015… إلا أن «مهرجان الشجب»، على ما يبدو، لم يدم لوقت طويل، بعدما «استدلّ» المجلس البلدي إلى أرض جديدة لإقامة البناء عليها… على العقار نفسه!
وفي التفاصيل، أنه في الجلسة الأخيرة، التي عقدت الجمعة الماضي، تناول أعضاء المجلس من خارج جدول الأعمال بنداً يتعلّق بإيجاد قطعة أرضٍ لتخصيصها للمبنى الذي تنوي المديرية العامة للأمن العام بناءه، فكان التوافق بغالبية أصوات الأعضاء ــــ باستثناء ثلاثة ــــ على تخصيص قطعة الأرض من ضمن العقار 1925 تقع بين «مسجد الصادق» و«معهد الإمام شمس الدين التربوي». هكذا، بقي المجلس في حضن عقار حرج بيروت، لكنّه عبر من ضفّة الطيونة إلى الجهة المقابلة على ضفّة شاتيلا! وحرص، في الوقت نفسه، على أن تكون قطعة الأرض بلا أشجار، ما سيعفيه «من الاعتراض»، على ما أكّد أحد أعضاء المجلس. إذ إن قطعة الأرض «مزفّتة، وليست مساحة خضراء». هكذا هي «التدابير» التي يتّخذها المجلس في وجه أي اعتراض. لكنها، تدابير لا علاقة لها بالمبدأ ولا بالقانون الذي يصنّف العقار 1925 «من ضمن المنطقة رقم 9 التي يمنع البناء عليها»، على اعتبار أنه موقع طبيعي، على ما يقول رئيس «جمعية نحن» محمد أيوب.
بالنسبة الى المجلس البلدي، المنطق هو الآتي: الموقع الطبيعي يعني أن تكون هناك أشجار. «وبما أنّ المساحة التي عثروا عليها مزفتة، فهذا يعني أنه يمكن البناء عليها»، يتابع أيوب هازئاً. مع ذلك، تبقى هذه «حجة واهية ومخالفة صريحة للقانون 1939 الذي يمنع البناء على هذا العقار أصلاً». وإذا كان لا بدّ من اتخاذ كقرار كهذا، فثمة إجراءات أخرى لا يكفي معها فقط التصويت الأكثري في جلسة مجلس بلدي، إنما يستدعي ذلك «صدور مرسوم من مجلس الوزراء بتغيير تصنيف الأرض».
يستذكر أيوب ما حدث في قضية المستشفى الميداني المصري، فالمنطق الذي ساد آنذاك شبيه بما يحصل اليوم، إذ إن التبرير في حينه للتعدي على الحرج كان أن «لا أشجار موجودة هناك». وهذا المنطق هو ما يطبّق الآن. وتكفي عودة إلى محطات وقرارات سابقة لمعرفة كيف قضمت مساحات الحرج. والأمثلة هنا كثيرة عن مساحات تعرّت من الأشجار، ثم زفّتت ثم نبت مشروع، من مسجد إلى معهد إلى مقبرة إلى مستشفى.
المهندس ابراهيم منيمنة يلفت الى «متفرقات» العقار التي جرى استخدامها لتنفيعات من خلال قرارات بلدية بيروت. يتحدّث عن المساحات «المفرطعة» للعقار ــــ خارج إطار المساحة الخضراء المعروفة التي اختزل بها الحرج ــــ والتي استحالت مشاريع. وهي المساحات نفسها التي يمنع القانون البناء فيها والتي يفترض أن يعاد تشجيرها لا تزفيتها «وهو الفعل المخالف أصلاً للقانون»، على ما يقول أيوب.
ما يجري في العقار 1925 ــــ الذي تبتر أطرافه شيئاً فشيئاً ــــ يذكّر بحكاية الرملة البيضاء، التي كانت السابقة الأولى في سرقة المال العام، عندما دمجت عقاراتها الممنوع البناء عليها وتلك المسموح البناء عليها ليخرجوا بالصيغة العجيبة التي صار معها المكان كله مفتوحاً للاستثمارات!