كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:
تفتتح الجمعية العمومية للامم المتحدة غداً الثلثاء أعمالها، ويلقي رئيس الجمهورية ميشال عون الذي وصل مساء الاحد الى نيويورك كلمة لبنان الاربعاء، في ثانية مشاركة له في الدورة السنوية للمنظمة الدولية. وانضم امس الى الوفد اللبناني وزير الخارجية جبران باسيل. في برنامج رئيس الجمهورية لقاءات مع الامين العام للامم المتحدة انطونيو غونتيريس ورؤساء وفود دولية وعربية، كان استهلالها امس اجتماعه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مقر الامم المتحدة. وهو سيلتقي في وقت لاحق في نيويورك ملك الاردن عبدالله الثاني. وكان استقبل في مقر اقامته، في حضور باسيل ورئيسة البعثة اللبنانية لدى الامم المتحدة السفيرة امال مدللي، وفداً من «تاسك فورس فور ليبانون».
مع ذلك، فإن المعطيات المرتبطة بالمأزق الحكومي لا تزال تراوح مكانها، بلا ادنى تقدّم، في ظل استمرار الشروط والشروط المضادة. وبحسب المطلعين على موقف رئيس الجمهورية، ليس ثمة ما يحمله على الاعتقاد بوجود تحوّل جدّي لدى اصحاب السقوف العالية: لا الذين ابدوا مرونة اقرنوها بافكار جديدة، ولا الذين يعودون بالتفاوض الى الصفر يتوقعون الحصول على الشروط نفسها.
تبعاً للمطلعين انفسهم، يضع عون بدوره سقفاً للدوران في الحلقة المفرغة الذي يرافق جهود التأليف، يرتكز على المعطيات الآتية:
اولها، اصرار رئيس الجمهورية على ان العقد محض داخلية، ما حمله على مرّ الاشهر المنصرمة من التكليف على عدم توجيه اي اشارة سلبية حيال وجود تدخّل خارجي، من اي مصدر كان، يقف عقبة في طريق التأليف، من دون اغفاله تأثر الداخل بتطورات المنطقة. عزّز هذا الاعتقاد لديه ان الرئيس المكلف سعد الحريري جزم له في وقت سابق بعدم استشعاره تدخّلاً خارجياً يقيده، او يثقل على مواقف الافرقاء المتصلبين.
ثانيها، يرتبط اصراره الذي لا يتساهل بازائه على عدم حصر تمثيل طائفة بفريق سياسي واحد بتوجسه من التلاعب بالميثاقية في جلسات مجلس الوزراء في مرحلة لاحقة. وهو يرى ان الضامن الفعلي لعدم حصول هذا التلاعب ليس الضمانات والتعهدات الشخصية، بل الواقع الفعلي الذي يمثله توازن القوى في الحكومة وفي جلسات مجلس الوزراء. اذ من غير المقبول، في كل مرة يقع خلاف في مجلس الوزراء، يتغيّب فريق سياسي يستأثر بتمثيل طائفة فيتحوّل سيفاً مصلتاً على السلطة الاجرائية ويمنع التئامها.
ثالثها، يترك رئيس الجمهورية للرئيس المكلف بذل جهوده دونما التدخّل في المشاورات التي يجريها، ما دام يدخل في صلاحياته الدستورية اقتراح مسودة الحكومة الجديدة كي يناقشها لاحقاً معه عندما يعرضها، ويتفاهمان عليها ويوقعانها. وهو ما رافق مسودة 3 ايلول التي رفضها، كما اي تعديل عليها او مسودة بديلة. هما بذلك يتقاسمان مرجعية التأليف. لكن عون في المقابل ليس في وارد التدخّل لدى الافرقاء المفاوضين للرئيس المكلف على حصصهم وحقائبهم. في البرلمان المنتخب كتل رئيسية تمكنت من حصد عدد كبير من المقاعد يقتضي تمثيلها في الحكومة تبعاً للحجم التمثيلي والشعبي الذي منحتها اياه انتخابات ايار الفائت. ثمة كتل كبرى واخرى اصغر. لم يفكر مرة في التدخل لديها كي يطلب منها ابداء مرونة او التنازل ما دامت هذه تفاوض الحريري، وحري ان لا يفعل هو ذلك مع كتلة حزبه الاولى في البرلمان بعدد اعضائها، خصوصاً وانها في سياق التفاوض كسواها مع الرئيس المكلف. بيد ان عون يضع الكتل جميعاً تحت المعيار العادل للتمثيل الوزاري. يصح الموقف نفسه على تمسكه بالحريري رئيساً مكلفاً يرغب في دوام التعاون معه بلا تحفظ. لا ينقطع التواصل بينهما رغم الاجتماعات المحدودة التي عقداها منذ التكليف في 24 ايار. ثمة اسئلة واجوبة يتبادلها بلا انقطاع، واحياناً بعيداً من الاعلام، بازاء العقد التي يواجهها الحريري.
رابعها، لا تزال فكرة توجيه رسالة الى مجلس النواب عملاً بالفقرة 10 من المادة 53 في حسبانه، في انتظار الوقت المناسب لها، مع ان البعض تحدث عن توقيتها بعد زيارة نيويورك. الا ان المطلعين على موقف رئيس الجمهورية يقولون ان استخدام هذه الصلاحية مرتبط بدوره بما يفترض ان يصدر عن مجلس النواب حيالها بعد قراءته لها، ومناقشتها في وقت لاحق على التلاوة. الابواب ليس موصدة تماماً، لكن الخيارات ايضاً ليست ضيّقة في ايجاد مخرج يساعد الرئيس المكلف على الخروج من ازمة التأليف.
مع ذلك ثمة مَن سمع رئيس الجمهورية قبيل مغادرته بيروت يقول: يراهنون على نفاد صبري وينتظرون ان اقول عيل صبري. ما اواجهه اليوم اقل بكثير مما مرّ علي في 15 عاماً؛ اشارة الى سنين نفيه الى فرنسا.
ترحيب بالسيسي
اجتماع رئيس الجمهورية بنظيره المصري شدّد فيه السيسي على وقوف بلاده الى جانب لبنان في مواجهة التطورات الراهنة، ودعم توجهاته في قضية النازحين السوريين واعادتهم الى المناطق الامنة في بلادهم. وشكر له عون وقوفه مع لبنان، واطلعه على التحضيرات الجارية لعقد القمة التنموية الاقتصادية التي ستعقد في لبنان في كانون الثاني المقبل، مرحبا بمشاركته في اعمالها. وناقشا التعاون في مواجهة الارهاب وتطوير العلاقات الثنائية والاوضاع السورية والمبادرة الروسية لاعادة النازجين السوريين الى بلادهم، الى التعاون لانجاح مسعى لبنان جعله مركزا لحوار الحضارات والاديان والاعراق الذي سيركز عليه رئيس الجمهورية في كلمة امام الجمعية العمومية غدا الاربعاء.
وفي لقائه وفد «تاسك فورس فور ليبانون» برئاسة ادوارد غبريال، تطرق رئيس الجمهورية الى الوضع الاقتصادي «الذي يحتاج الى متابعة لاسيما بعد اعداد الخطة الاقتصادية الوطنية التي ترسم خارطة طريق للحياة الاقتصادية اللبنانية المقبلة بعد مؤتمر سيدر»، متناولاً مسألة النازحين السوريين وموقف لبنان منها «الذي ينادي بالعودة الآمنة»، مشيراً الى المبادرة الروسية في هذا المجال. واعتبر ان «من الخطأ الربط بين السياسة والاقتصاد، فكل مسألة لها اعتباراتها»، لافتاً الى «ما سببه النزوح السوري من انعكاسات سلبية على الحياة الاقتصادية اللبنانية». وتحدث عن القضية الفلسطينية وآثارها على لبنان، مجدداً دعوته الى عدم انتظار الحل السياسي للازمة السورية حتى يعود السوريون الى بلادهم «لان التجربتين القبرصية والفلسطينية علمتانا ضرورة الفصل بين الحل السياسي وعودة النازحين».
وشدد عون على ان الوضع الامني «ممسوك في لبنان، وان القوى الامنية تقوم بدورها كاملاً وتتولى وحدها مهمة حفظ الامن على كل الاراضي اللبنانية». ودعا المنظمة الى العمل مع الادارة الاميركية «على تعزيز قدرات الجيش اللبناني الذي اثبت كفاية عالية وخبرة مميزة، لاسيما خلال مواجهته الارهاب». كذلك دعا الانتشار اللبناني الى ان «يلعب دوراً في علمية النهوض الاقتصادي»، وقال: «نحن في حاجة الى مساهمتكم في تعزيز ثقافة السلام التي ينادي بها لبنان».